لينُكس بعد ويندوز...
لم تكن الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي لفترة مديدة من أجل اعتماد نظام ويندوز في كلّ حواسيب منظمة الاتحاد الأوروبي إلا ضغطاً سياسياً اقتصادياً يجعل كلّ بيانات الاتحاد الأوروبي في وضعية الشفافية (ولو النسبية) أمام الأمريكيين، ورغم الممانعات الأوروبية فقد أكملت الولايات المتحدة آنذاك إحكام سيطرتها على العالم من خلال تلك الحركة.
لكن العالم اليوم يشهد تغيرات ومحاولات عديدة في الإفلات من قبضة عملاق البرمجيات ميكروسوفت، فبعد المقاطعة الشعبية للكثير من خبراء الحواسيب من خلال تبنّي نظام لينكس المفتوح الذي يتيح مرونة كبيرة في التعامل (رغم محدوديته في بعض الجوانب)، تتجه الدول للتخلّي عن ويندور، ففي أيار من العام 2020 قرَّر السياسيون المنتخَبون في ميونيخ أن إدارتهم بحاجة إلى استخدام برامج مفتوحة المصدر، بدلاً من المنتجات مسجَّلة الملكية مثل Microsoft Office. وتم الترحيب بالقرار باعتباره انتصارًا من قِبل دعاة البرمجيات الحرّة، الذين يرون في ذلك خيارًا أفضل اقتصاديًا وسياسيًا ومن حيث الشفافية الإدارية.
وكان ذلك القرار جزءاً من تطور ملحمة بدأت منذ عام 2003 (مدفوعة بخطط Microsoft لإنهاء دعمها لنظام التشغيل Windows NT 4.0) من أجل ايقاف شراء الأنظمة المحدثة، والابتعاد عن البرمجيات الاحتكارية، تضمّنت تنسيقات ذات معايير مفتوحة وبرامج محايدة من البائع وإنشاء بنية أساسية فريدة لسطح المكتب على أساس كود Linux المسمى "LiMux" - مزيج من Linux وMunich. ونتيجة للتغيير في حكومة المدينة، والضغوطات الأمريكية، تم اتخاذ قرار مثير للجدل في عام 2017 بمغادرة LiMux والعودة إلى Microsoft بحلول عام 2020. في ذلك الوقت، كان ذلك جزءاً من الضغط الأمريكي من خلال قرار شركة البرمجيات الأمريكية العملاقة نقل مقرّها إلى ميونيخ.
لم تكن هذه هي المعركة الوحيدة في أوروبا للتغيير السياسي في وجه الولايات المتحدة في نظم التشغيل للحصول على المزيد من «السيادة الرقمية»، فبدأت مدن أوروبية أخرى تخطوا بالاتجاه نفسه، مثل برشلونة ومدريد وباريس.
وبدأتْ حربٌ إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي وفي أوساط خبراء الحاسوب مدفوعة من طرفَي الصراع لينوكس وويندوز في إبراز محاسن ومساوئ الطرفين.
لكن الأهم حتماً أنّ نظام لينكس المفتوح يتيح إمكانية التطوير ما يعطي أفضليةً له في المجال الأمني، ما سمح لوزارة الدفاع الروسية في العام 2018 بالتخلّي عن نظام ويندوز واعتماد نظام «آسترا لينكس»Astra Linux، في خطوة أثارت كثيراً من الأسئلة آنذاك حول شركة مايكروسوفت الأمريكية وأنظمة أمانها. وكانت المرة الأولى التي تتخلّى فيها دولة نهائياً وكلياً عن «ويندوز» الذي يُهيمن على معظم أنظمة حواسيب العالم، في خطوة وصفها خبراء روس بأنها جاءت لتعزيز الإجراءات الأمنية، ومنع المخترقين وقراصنة الإنترنت من اختراق أجهزتها.
وأقدمت روسيا على تلك الخطوة آنذاك بعد تنامي خطر فايروسات الفدية و«واناكراي» التي ضربت ملايين الحواسيب التي تعمل بنظام مايكروسوفت «ويندوز» حول العالم، وقيل وقتها إنّ تلك الفيروسات تابعة لوكالة الأمن القومي الأمريكي، في مرحلة جديدة من الحروب الإلكترونية في فضاء الإنترنت.
وبعد المؤسسة العسكرية تعلن روسيا الآن في نيسان 2023 إمكانية انتقال الموظفين في المؤسسات الحكومية الروسية بحلول عام 2025 إلى نظام التشغيل «لينكس» بدلاً من نظام التشغيل «ويندوز»، وهو ما أعلنه مدير شركة «شفرة الأمن» الروسية فيودور دبار، الذي قال إن مطلع عام 2025 يمكن أن يشهد انتقال غالبية الموظفين الروس إلى نظام التشغيل «لينكس» الذي سيحلّ محلّ نظام التشغيل «ويندوز» الأمريكي. وستنخفض نسبة أجهزة الكمبيوتر في المؤسسات الحكومية التي تعتمد نظام التشغيل «ويندوز» نهاية عام 2023 إلى 20%.
رغم أن العديد من الشركات لن تكون قادرة على التخلي تماماً عنWindows ، نظراً لأن معظم البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات في تلك الشركات مبنية على نظام التشغيل هذا منذ أعوام طويلة. ويعتقد الخبراء أنّ نسبة مؤسسات الدولة والشركات الخاصة التي ستنتقل عام 2025 إلى نظام التشغيل «لينكس» ستصل إلى 50%.
يذكر أنّ شركة «ويندوز» الأمريكية رفضت تقديم خدمات الضمان لأجهزة Xbox الروسية واقترحت على أصحابها طلب الخدمات في المواقع التي اشتروا فيها تلك الأجهزة.