أزمة «إسرائيل» وجوديّة أساساً ولن ينقذها تبديل حكومات

أزمة «إسرائيل» وجوديّة أساساً ولن ينقذها تبديل حكومات

في شهر يونيو/حزيران الماضي، أجرى «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن» (JISS) استطلاعاً لآراء المستوطنين «الإسرائيليين» بعد عام من الحرب على غزة بمعركة سيف القدس أو ما يسمها الاحتلال «عملية حارس الأسوار». فكانت النتائج: 82% من المستوطنين باتوا لا يشعرون بالأمن نتيجة الأحداث وأعمال «الشغب» (المقصود عمليات المقاومة) التي وقعت خلال العملية، 66% يعتقدون بفشل الحكومة «الإسرائيلية» بالتعامل مع موجة العمليات (الفدائية الفلسطينية) الأخيرة، 43% لا يشعرون بالأمان أثناء إقامتهم أو زيارتهم للمدن «المختلطة» (التي فيها فلسطينيون ومستوطنون)، و39% لا يشعرون بالأمان أثناء إقامتهم في القدس نفسها، 52% يتوقعون أنه بحال تجدد «أعمال العنف بين اليهود والعرب» ستكون إقامتهم أكثر صعوبة. 35% لا يثقون بقدرة قوات أمن الاحتلال على ضبط «المدن المختلطة» إذا تجدد «أعمال عنف». وبسبب هذا الواقع غير المسبوق في تاريخ كيان الاحتلال منذ تأسيسه، قفزت نسبة طلبات الحصول على سلاح شخصي في «إسرائيل» بنسبة 700%! مع 30 ألف طلب ترخيص سلاح خلال شهرين فقط (آذار ونيسان 2022) في مؤشر مهمّ على فقدان المحتلّين ثقتهم بأنّ لديهم ما يسمّى «دولة» أصلاً لفشلها بمجرد الحفاظ على حياة «شعبها» المزعوم، مما يعني بأنّ وضع كلمتي «إسرائيل» و«دولة» لوصف هذا الكيان الاحتلالي الفاشي لم يعد فقط موقفنا وموقف الرافضين للاعتراف به والتطبيع معه، بل يبدو أنّ أكثرية المحتلّين أنفسهم صاروا يضعونه ويضعون إمكانية عيشهم فيه كلّها بين قوسين من الشك الشديد، وحتى لو أصرّوا على وصفه بـ«الدولة» باتوا مضطرين إلى إضافة صفة إليها في التعبير المتناقض «دولة فاشلة». التقرير التالي يستعرض جزءاً يسيراً مما تكشفه مؤسسات أبحاث الاحتلال وإعلامُه والمحتلون أنفسهم من علامات وأرقام عن فشل كيانهم وتعفّنه وانهياراته من الداخل ليس فقط أمنياً وسياسياً بل واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً ومعنوياً.

في تعليق على نتائج استطلاع معهد JISS المشار إليه في المقدمة، قالت الكاتبة «الإسرائيلية» بنينا شوكر في 23 حزيران الماضي: «على الرغم من أن الموجة الأخيرة هدأت إلا أنها قدّمت مساهمتها التراكمية في أعقاب أحداث عمليه (حارس الأسوار) في تقويض شعور اليهود بالأمن وتعميق مشاعر عدم الثقة في الوسط العربي، وهزّ النسيج الحساس للعلاقات اليهودية العربية».

ولا تقتصر الأزمة الأمنية على شعور المستوطنين بالخطر على حياتهم بالمعنى الأمني العسكري المباشر وبالخوف من عمليات المقاومة، بل وتزدادُ طينتهم بلّة مع أزمة اقتصادية في الكيان، ليست مستغربة بوصفه جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الغربية الإمبريالية المأزومة رأسمالياً ودولارياً. وباتت الاحتجاجات المعيشية لمستوطني الكيان ظاهرة متكررة، لتدهور أحوالهم وزيادة الفقر والبطالة بينهم، كما حدث مؤخراً من اضطراب بحركة المواصلات العامة بعد احتجاجات السائقين في القدس والشمال المحتل بسبب تدني أجورهم وشكواهم من «زيادة العنف» ضدهم. بل وبات يُسمَع ويرى على شاشات الاحتلال تصريحات لمستوطنين في الشارع يقولون كلاماً من قبيل «لم تعد هناك فائدة في العيش هنا – لو كان لديّ مال بما فيه الكفاية لغادرت (الدولة)» وفق ما قالته حرفياً على سبيل المثال امرأة «إسرائيلية» من إحدى المستوطَنات. في حين قال مستوطن آخر: «الناس يتجولون في الأسواق مطأطئي الرأس لا يشترون لعدم توفر المال». لذلك ليس مستغرباً ظاهرة «الهجرة اليهودية العكسية» هروباً من «إسرائيل» إلى خارجها، وهو أمرٌ خطير جداً على الكيان ويزيد من أزمته الديمغرافية والسكانية المتفاقمة أصلاً. فعلى سبيل المثال ناقشت المنظومة الأمنية للاحتلال بشكل مغلق أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي، كيف سيكون واقع غزة مستقبلاً، ومن المواضيع التي تم الكشف عنها أنهم ناقشوا المسألة الديمغرافية وأنه وفقاً لتقديرات الاحتلال سيتزايد تعداد الفلسطينيين في غزة لوحدها إلى 3 مليون نسمة عام 2035. وذلك بعد أن كان 2.1 مليون عام 2021، ومليون واحد عام 1987، و350 ألف نسمة عام 1976، و96 ألف نسمة فقط عام 1948.

 

أزمات عنف وجريمة وتعليم أيضاً

يبدو أنّ عنف الاحتلال ووحشيته وطبيعة التربية المريضة نفسياً على العنصرية والإجرام واستباحة الدماء على مدى أجيال، قد تراكمت لتخلق أزمة عنف وجريمة داخلية أيضاً فيما بينهم أنفسهم، على غرار وباء الجريمة نفسه في الولايات المتحدة الأمريكية على ما يبدو. وقال أحد التقارير الإعلامية «الإسرائيلية»: «العنف يزداد في (إسرائيل) من لحظة إلى أخرى. سبع عمليات قتل خلال 24 ساعة. 12 عملية قتل خلال أسبوع»، حتى أنّ أحد الخبراء «الإسرائيليين» علّق حرفياً بما يلي، وربما كان يقصد معها أيضاً عمليات المقاومة: «العنف الداخلي هو (إرهاب) وإنْ لم تستدرك (إسرائيل) هذا الوضع فإنّ (الدولة) ستزول... الشرطة رفعت الراية البيضاء وليس لديها قوات كافية ولا إمكانيات».

حتى في قطاع التعليم، ينقل أحد التقارير التلفزيونية «الإسرائيلية» عن إحدى مسؤولاته قولها ما يلي حرفياً: «جهاز التعليم في مرحلة انهيار. العاملون المميزون يقدمون استقالتهم ويهربون... يدور الحديث عن ظاهرة خطيرة. استقالات كبيرة من العاملين والعاملات في مجال التعليم. وزارة التعليم تتوقع نقصاً حاداً في عدد المعلمات والمربيات خلال العام الدراسي القادم».

 

مِن سيناريوهات الحرب القادمة بين الاحتلال والفلسطينيين

الأسبوع الماضي تحدث أحد كتاب الاحتلال يوني بن مناحيم، عن أحد سيناريوهات الحرب القادمة مع «إسرائيل»، فقال إن عملية للمقاومة يمكن أن تبدأ على السياج الحدودي بين قطاع غزة ومستوطنات الاحتلال بهدف اختراق الحاجز الأرضي الجديد الذي بناه جيش الاحتلال حيث قال بأنّ التقديرات الأمنية تقول إنّ المقاومة وجدت طريقة للتغلب على هذا الحاجز، وقيل إن ذلك ممكن عبر تفجيره أو تجاوزه باستخدام سلالم قابلة للطي، وأنه وفق هذا السيناريو سيتم تنفيذ العملية بعد إطلاق صواريخ على «إسرائيل» كعملية تضليل في حين تكون المهمة الرئيسية هي التسلل إلى غلاف غزة بشكل مفاجئ ومتزامن في عدة نقاط على طول حدود القطاع، وبشكل سريع لا يترك وقتاً للاحتلال لإخلاء سكان مستوطنات الغلاف. ويتضمن السيناريو المفترض قتل وخطف جنود ومستوطنين. وذكر بن مناحيم بأنّ المقاومة الفلسطينية في غزة تقدر أن عملية كهذه «ممكنة من الناحية العملية» وأنّ حكومة الاحتلال لن تجرؤ على اجتياح برّي لقطاع غزة بعد هذا الحادث إذا تم تنفيذه، وسيتعيّن عليها بنهاية المطاف أن تسلّم بالواقع الجديد، مما سيجبرها على مفاوضات سريعة مع المقاومة لإتمام صفقة تبادل أسرى. وأنه من المتوقع أن يأتي هذا العمل في توقيت ما، بعد زيارة الرئيس بايدن للمنطقة وقبل انتخابات الكنيست في أواخر العام الجاري، لأن هذه الفترة ستشهد عدم اهتمام الحكومة «الإسرائيلية» الانتقالية بجولة قتال جديدة في غزة.

لم تقتصر التحليلات في الكيان على الخوف من المقاومة على محور واحد فقط، بل يعتقد العقيد احتياط البروفيسور «الإسرائيلي» غابي سيبوني، على سبيل المثال، في تحليل أدلى به لـ«معهد القدس للاستراتيجا والأمن» بأنّ عرب الداخل (48) «سينضمّون للمعركة القادمة إلى جانب غزة أو الشمال»، وخاصة بعد ما كشفه نهوض موجة العمليات الفدائية الأخيرة التي بدأت على الأقل منذ آذار 2022، ومظاهر المقاومة المختلفة للاحتلال في الداخل. فتحدث سيبوني عن سيناريو «اندلاع أعمال عنف في المدن العربية والمدن المختلطة» وعن «إغلاق لمحاور وطرق تحركات القوات العسكرية للإضرار بتدفق القوات وإمداداتها على الجبهة» موضحاً: «هذان التهديدان إذا تحقّقا خلال المعركة القادمة سيشكلان تحدياً كبيراً لقوات الأمن والجيش» (الإسرائيلي) وتابع بأنّ «تهديد الأمن الداخلي سيسبب أضراراً منهجية ودائمة مع مرور الوقت داخل المجتمع الإسرائيلي، وهو تزايد العنف وفقدان شعور (المواطنين) بالأمن وتطوّر الجماعات الانفصالية التي لا ترى (إسرائيل) كـ(دولة) وتسعى فعلياً إلى إنشاء مناطق خارج سيطرتها».

 

 

آخر تعديل على الأربعاء, 13 تموز/يوليو 2022 21:41