نتائج التحليل الجنائي الأمريكي يغتال شيرين مرة أخرى
بعد اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في 11 أيار الماضي، نظرت مادة مطولة لمركز دراسات قاسيون في ردود الأفعال مباشرة بعد الحادثة، ومن المهم إعادة التذكير بأن التصريحات الرسمية كانت مبهمة وخالية من تحميل المسؤولية للجهة التي اغتالتها، أي «إسرائيل». لاحقاً سلّمت السلطات الفلسطينية الرصاصة التي قتلت الصحفية الفلسطينية إلى جهة مستقلة لإجراء تحليل جنائي عليها لتحديد الجهة المسؤولة كجزء من عملية يشرف عليها منسق الأمن الأمريكي.
أصدرت الخارجية الأمريكية يوم الإثنين الماضي، 4 تموز، بياناً صحفياً قالت فيه إنه «بعد تحليل جنائي مفصل للغاية، لم يتمكن الفاحصون... من التوصل إلى نتيجة نهائية فيما يتعلق بمصدر الرصاصة التي قتلت الصحفية... وقرر الخبراء أن الرصاصة كانت متضررة جداً، مما حال دون التوصل إلى نتيجة واضحة». وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بوقاحته المعهودة أن «منسق الأمن الأمريكي خلص إلى أن إطلاق النار من مواقع الجيش الإسرائيلي كان مسؤولاً على الأرجح عن مقتل شيرين أبو عاقلة. إلا أنه لم يجد أي سبب للاعتقاد بأن هذا كان متعمداً وإنما نتيجة لظروف مأساوية خلال عملية عسكرية بقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي ضد فصائل الجهاد الإسلامي الفلسطينية في 11 أيار 2022 في جنين، والتي أعقبت سلسلة من الهجمات الإرهابية في إسرائيل».
هذه الاستنتاجات من قبل الأمريكان ليست شيئاً جديداً أو مستغرباً فيما يتعلق بالانتقائية بخصوص حقوق الإنسان التي يزعمون حمايتها واحترامها وإلزام من يشاؤون بها وغض النظر عن انتهاكها في حال كان ذلك يصب في مصالحهم السياسية، وهذا بالأخص عندما يكون الأمر متعلقاً بالكيان الصهيوني. يمكن مقارنة ذلك بالدرجة العالية من اليقين والوصول إلى استنتاجات نهائية وسريعة حول الجهات المذنبة بدون أي تحقيقات أو أدلة عندما يصب ذلك في مصلحتهم ومصلحة حلفائهم، وقائمة الأمثلة على ذلك تطول ومنها أمثلة من الوضع الدولي الراهن متعلق بالأزمة الأوكرانية، ولكن هناك أيضاً الكثير من الأمثلة في منطقتنا حيث استخدمت أمريكا الاستنتاجات السريعة والمبنية على أدلة وهمية لشن حربها على العراق والتي نتج عنها ما يحصل اليوم في العراق. من جهة أخرى، الأدلة على انتهاكات الكيان الصهيوني بحق فلسطين والشعب الفلسطيني ودول وشعوب المنطقة الأخرى واضحة وضوح الشمس لدرجة يمكنها أن تتسبب بالعمى لمن ينظر إليها، ومع ذلك يتظاهر الأمريكي بعدم رؤيتها وفي ذات الوقت يبررها بشكل غير مباشر من خلال توصيف الظرف الذي حصلت خلاله الحادثة على أنها عملية عسكرية للجيش «الإسرائيلي» في نطاق الدفاع عن النفس رداً على هجمات «إرهابية»، بالرغم من أن هذه الحادثة بالتحديد والظروف المحيطة بها كانت شديدة الوضوح حيث أنه تم تصويرها، ليرى العالم بأسره ما حصل ذلك اليوم بالإضافة إلى الهجوم الوحشي من قبل قوات الاحتلال على المشيعين بعد أيام من اغتيال شيرين.
الحديث عن ازدواجية المعايير الغربية والأمريكية، ليس أمراً جديداً، لكن كما كل الظواهر في الحياة، فإنّه عند درجة معينة من التراكم يحدث التحول النوعي... ويبدو أننا نعيش في خضم ذلك التحول على المستوى العالمي اليوم بما يخص الغرب والأمريكان والبريطانيين خاصة؛ إذ وصلت متاجرتهم بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية لدرجة غير مسبوقة في تعفنها، هي في الحقيقة انعكاس لتعفن المنظومة العالمية التي يقودونها، والتي من دواعي سرورنا رغم كل ما نعيشه من مآسي، أننا نشهد تهاويها وانهيارها وتهتكها أمام أعيننا...