ما وراء "التبني الداعشي" لعمليات المقاومة الشعبية الفلسطينية
تصاعدت حدّة المواجهات في فلسطين خلال الأسبوعين الماضيين، وبشكلٍ خاص في القدس والضفة الغربية اللتين شهدتا اشتباكات مستمرة تبيّن فيها فشل خطط العدو في التعويل على أن التضييق الذي يمارسه بحق الفلسطينيين فيهما والمطاردات المستمرة للمقاومين سوف يقللان من الإصرار الشعبي على خوض المواجهة، حيث أتت هذه السياسة "الإسرائيلية" بنتائج عكسية تمثلت في تصاعد منسوب المواجهة في باب العامود، وارتفاع احتمال دخول قطاع غزة إلى المواجهة.
ما إن دخل وزير خارجية العدو، يائير لابيد، مساء الأحد 3/4/2022 إلى باب العمود في مدينة القدس المحتلة كي يجري جولة هناك، حتى اندلعت مواجهات شديدة مع قوات الاحتلال، أصيب على إثرها 19 فلسطينياً، واعتقل عشرة آخرون، وهي مواجهات مثّلت حلقة في سلسلة الاشتباكات التي تخاض في مناطق مختلفة في القدس والضفة، رافعة معها احتمالات مفتوحة لتطوّر الحركة الشعبية الفلسطينية على الأرض.
وفي غمرة هذا التصعيد، انصبّ تركيز قوات العدو على القدس والضفة كونهما المكان الأكثر قدرة على التحرك، إلا أن هذه الحسابات اصطدمت فعلياً بالعمليات الآخذة بالتصاعد في أراضي الـ48، حيث توزعت خارطة العمليات الفدائية بين بئر السبع جنوباً، ومدينة الخضيرة شمالاً، بالإضافة إلى تل أبيب.
وعدا عن التوزّع المكاني لهذه العمليات، كانت المفاجأة أيضاً أنها جرت دون أن تستطيع قوات العدو – التي تتباهى بقدراتها الأمنية والعسكرية الفائقة- أن تأسر المنفذين، حيث استشهد جميعهم (محمد أبو القيعان في بئر السبع، وخالد وأيمن إغبارية في الخضيرة، وضياء حمارشة في جنين) مباشرة بعد تنفيذ عملياتهم الفدائية.
على هذه الأرضية، وفي ظل عدم تبني أي من الفصائل الفلسطينية رسمياً لهذه العمليات، بدأت بعض المواقع الإلكترونية التابعة للكيان بالزعم أن المنفذين ينتمون إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، تلا ذلك تلميح استخباراتي "إسرائيلي" بأن المنفذين أعضاء في التنظيم، ليكتمل المشهد أخيراً بإعلان التنظيم ذاته تبنيه للعمليات، ما يعني أن الإشارة الأولى لهذا التبني قد صدرت من جهة العدو أساساً، في محاولة للاستفادة من عدم التبني الفصائلي أولاً، وثانياً لكسب التعاطف المتأتي من الرفض الواسع للتنظيم الإرهابي وممارساته، وثالثاً وهو الأهم، محاولة تأريض الشحنة الوطنية الكامنة في هذه العمليات الفدائية التي تمتد على كامل البقعة الفلسطينية وفق بوصلة المقاومة الوطنية العابرة للانقسامات.
فوق ذلك، فإن السياق الذي جاء منه منفذو العمليات الفدائية يستبعد أية شبهة قابلة للإثبات حول صلتهم بتنظيم "داعش". حيث تشير بعض التقديرات إلى أن غالبيتهم من الأعضاء السابقين في تنظيمات فلسطينية (بما فيها حركة فتح) وبعضهم أسرى محررين.
والأهم من ذلك أن الضغط في داخل الكيان ذاته اضطر الاحتلال لسحب رواية "داعش"، حيث قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن أمن الكيان لم يجد دليلاً واحداً حول علاقة تنظيم "داعش" بالمقاومين، ونقلت عن مصادر في المخابرات قولها إنه لم يتم إيجاد ارتباط بين "داعش" والمهاجمين، مرجحة أن تكون العمليات فردية وليست تنظيمية.