أوكرانيا و«اليسار الاسمي» الغربي

أوكرانيا و«اليسار الاسمي» الغربي

مع تعمق الأزمة الإمبريالية يزداد الفرز بين قوى اليسار العالمي، ليتوضح ما ورد في أدبيات حزب الإرادة الشعبية حول ضرورة تمييز اليسار الفعلي من اليسار الاسمي. في هذا السياق تنقل قاسيون رأي ديمتري كوفاليفيتش Dmitri Kowalewitsch من التنظيم الشيوعي بوروتبا Borotba في أوكرانيا. يوضح كوفاليفيتش، في المقال الذي نقدم ترجمته هنا – وعنوانه الأصلي «فشل اليسار الغربي والمأزق التاريخي» – خذلان القوى التقدمية في أوكرانيا من طيف واسع من اليسار الغربي السائر وراء السردية الغربية السائدة وماكينتها الإعلامية حول الأحداث في أوكرانيا. تم نشر المقال في مجلة ميلودي أند ريتموس Melodie & Rhythmus للثقافة البديلة مطلع نيسان الجاري.

ترجمة: ديمة النجار

يعتقد الكثير من الناس في الغرب أنّ الحرب في أوكرانيا بدأت في نهاية شباط، لكنها في الواقع مستمرة منذ ثماني سنوات. بدأت في عام 2014 عندما تم إرسال كتائب المتطوّعين من القوميين المتطرّفين والنازيّين الجدد لمحاربة السكان المنتفضين في دونيتسك ولوغانسك. في دونباس عارض العديد من الناس، ومعظمهم من عمّال المناجم وعمّال التعدين، مناهَضة حكومة كييف الجديدة الشديدة بشكل خاص للشيوعية وتمجيدها أولئك الأوكرانيين الذين تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية. يعتبر المتمرّدون في دونباس أنفسهم مناهضين للفاشية (Antifaschist)  - لكنهم يختلفون بشكل كبير عن  مجموعات الـ «أنتيفا» Anitfa الليبرالية ذات الطابع الغربي الحديث.

بدأت السلطات الأوكرانية عملية «إزالة الشيوعية»، وحظرت الحزب الشيوعي وغيره من المنظمات اليسارية وأغلقت وسائل الإعلام المعارضة. في العام الماضي وحده، تم إلغاء ترخيص البثّ لست محطات تلفزيونية أو معاقبتها دون أمر من المحكمة لمجرّد انتقادها الحكومة الأوكرانية أو لأنها تبثّ باللغة الروسية. يبدو اليساريون في الغرب غافلين عن كلّ هذا، أو يكتفون بالقول إنّ وسائل الإعلام والأحزاب المحظورة «موالية لروسيا» عندما يتم إخبارهم بهذه الممارسات.

غالبًا ما يجد اليساريون الغربيون أنفسهم في فقاعة معلومات يتم إنشاؤها من قبل المؤسسات الإعلامية الكبرى والتي باتت تشارك بدورها كأطراف فاعلة في الصراعات الكبرى وتسعى لتحقيق مصالحها الخاصة هناك. بهذه الطريقة يتم إنشاء نظام معلومات يمكن من خلاله التلاعب بالناس بسهولة. على سبيل المثال، لم يسمع الكثير من اليساريين في الغرب شيئاً تقريباً عن الحرب التي تشنها كييف ضد الجمهوريات الشعبية في دونباس: لا شيء عن عشرات الأطفال الذين لقوا حتفهم أو عن حقيقة أنّ العديد من النازيين الجدد وغيرهم من المتطرفين اليمينيين قد تم دمجهم في القوات المسلحة الأوكرانية. ثمّة تقارير متفرّقة في وسائل الإعلام الغربية حول الأخطار التي تشكلها كتائب آزوف واليمين و الـ Freikorps في الجيش الأوكراني – [فرايكوربس أو «الجيوش الحرة» هو الاسم الذي عرفت به مجموعات المرتزقة الملحقة بالجيش الألماني منذ القرن الثامن عشر حتى بدايات القرن العشرين - المُحرِّر] – إلا أنّ هذه التقارير ضاعت في خضم كثافة البروباغندا العامة حول تطلّعات نظام كييف إلى عضوية الناتو.

يعزّز العمى لدى اليسار في الغرب وانحيازهم إلى حكومة كييف القمع والإرهاب اليميني المتطرف ضد الشيوعيين ومناهضي الفاشية الأوكرانيين، الذين لا يمكنهم النشاط إلا بشكل غير قانوني في أوكرانيا. هذه التطورات يمكن أنْ تؤدّي إلى اغتراب، لا وبل إلى شقاق كامل بين اليسار الأوكراني واليسار الغربي. هذا الانقسام الموجود بلا شك منذ زمن بسبب التناقض بين الواقع الذي نصطدم به هنا كل يوم، والواقع الذي يعيشه ذاك اليسار عبر الصور التي تنتجها وسائل الإعلام الغربية السائدة.

وهكذا يجد العديد من اليساريين الغربيين أنفسهم - بمن فيهم أولئك الذين يسمون أنفسهم «أنتيفا» - جنبًا إلى جنب مع مجموعاتFreikorps الفاشية في إدانة «العدوان» الروسي وإدانة المناهضين للفاشية في دونباس. إنّ الموقف المناهض للحرب موقف محترَم بالطبع، لكنه يصاغ في اليسار الغربي بحسب تعليمات وقيادة وسائل الإعلام الكبرى ومؤسسات الناتو.

اليساريون في الغرب الذين تجاهلوا لسنوات قصف دونيتسك ويحتجّون الآن فقط على ضرب كييف، هم إمّا ليسوا أكثر من منافقين أو أنهم يبرهنون على اعتمادهم التام على وسائل إعلام رؤوس الأموال الضخمة. من المؤسف أنهم قد وقعوا في كثير من الأحيان عن طيب خاطر في هذا الفخ - نتيجة لرفضهم اعتماد برنامج عمل طبقي لا بل العمل لصالح الأيديولوجيات البرجوازية «الديمقراطية» و «المناهضة للاستبداد». في هذا السياق، اعتُبِر دائماً «استبدادياً» ما تم تعريفه على هذا النحو من قبل وسائل الإعلام الكبرى. من الآن فصاعداً، ستكون السردية بأن يصنَّف كلُّ من يعارض مصالح الناتو ورؤوس الأموال الكبرى بأنه «مُوالٍ لروسيا» أو «مُوالٍ للصين» - بما في ذلك كل نضال حقيقي ضد الفاشية.

وهكذا فإنّ معظم اليساريين في الغرب ينساقون إلى مأزق تاريخي حيث يجدون أنفسهم جنباً إلى جنب مع قوميين وليبراليين يختلفون عنهم فقط بالاسم. والنتيجة هي أن العديد منهم يعملون الآن فقط كجناح «يساري» لحلف شمال الأطلسي (الناتو). في بعض الأحيان يذهبون إلى الاعتصامات المناهضة للحرب - أو قد لا يذهبون لأنهم يمتنعون عن الاحتجاج على وجه التحديد مع الأحزاب اليمينية و«الديمقراطية» التي لا تروق لهم.

المصدر: Versagen Der Westlichen Linken

 

آخر تعديل على الأربعاء, 06 نيسان/أبريل 2022 21:29