عن الدستورية وما هو «جنس الملائكة»؟
سألني أحد الأصدقاء عن معنى التشبيه الذي استخدمه د. قدري جميل في مؤتمره الصحفي الأخير، حين شبّه النقاش الجاري في اللجنة الدستورية السورية بأنه «نقاش حول جنس الملائكة»، وكرر ذلك عدة مرات ضمن المؤتمر نفسه...
ربما يغيب معنى التشبيه عن البعض، ولكن معظم الناس يعرفون أنه مكافئ للقول إنّ النقاش كان عقيماً وبلا نتائج وحول قضايا غير جوهرية وغير أساسية، وهذا الفهم لـ«النقاش حول جنس الملائكة» هو فهم صحيح، لكنه غير كامل، فهنالك قصة تاريخية وراء هذه «المسألة»...
عام 1453، وبينما كان السلطان محمد الثاني (الملقب بالفاتح) يحاصر القسطنطينية (اسطنبول حالياً)، وكان مصير الإمبراطورية البيزنطية بأكملها موضوعاً على المحك، كان المجلس الكنسي للقسطنطينية منشغلاً بمجموعة من النقاشات «اللاهوتية»، التي كان على رأسها: «هل جنس الملائكة مذكر أم مؤنث؟»، و«هل حجم إبليس كبير بحيث لا يحتويه أي مكان، أم أنه صغير بحيث يستطيع الدخول من خرم الإبرة؟»!!
أطلق على مجمل هذه «النقاشات» اسم «الجدل البيزنطي»، وبات هذا التعبير أو تعبير «البحث عن جنس الملائكة»، مكافئين للقول إنّ النقاش الجاري عقيم وبلا فائدة وبلا قيمة... ولكن الحادثة التاريخية تقول ما هو أكثر من ذلك؛ فالنقاشات عديمة القيمة تصبح عديمة القيمة أكثر في حالات الخطر الوجودي التي تهدد البلاد والبشر... ولذلك فإنّ تشبيه النقاشات في جنيف بأنها «حول جنس الملائكة»، لا تعني فقط أنها عقيمة، بل وأنها تجري دون اكتراث وبانعدام مسؤولية اتجاه بلادٍ تعاني يومياً ويعاني شعبها ويتهددها الانهيار...