هل سيكون 2022 عام توديع الدعم... وما النتائج؟
سوف تتوّج عمليات القضم المتتالية الجارية على «الدعم»، بأنْ يتم تحويله من دعمٍ للسلع إلى دعمٍ مادّي، مع غذّ السير قدماً نحو إنهائه كلياً، وذلك قد نصل إليه قبل نهاية العام الحالي على ما يبدو!
فالموضوع لم يعد تكهُّنات، أو طروحات (رسمية أو غير رسمية) مؤجَّلة، بل تم تثبيتُه رسمياً على لسان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك خلال لقاء صحفي منذ يومين، كآلية يتم تنفيذها رسمياً.
فقد نُقِلَ عن الوزير خلال اللقاء الصحفي إشارته إلى: «وجود دراسات لتحويل الدعم من دعم للسلع إلى دعم مادي»، مبيناً: «إننا في الوقت المناسب لرفع الدعم عن غير المستحقّين له، وأنّ من يستحق الدعم سيحصل عليه بالتأكيد».
بضع خطوات متبقية فقط
بعد كل ما جرى من تخفيض على الدعم خلال السنوات الماضية، وخاصة خلال العام الماضي (على مستوى رفع الأسعار، وعلى مستوى تخفيض الكميات المستحقّة، وعلى مستوى التباعد الزمني بين موعد استحقاق وآخر، وعلى مستوى آليات التطفيش منه)، يبدو أنّ الفصول الأخيرة نحو إنهاء الدعم ستجري خلال الفترة القريبة القادمة، وبتسارع.
أولاً: من خلال استبعاد ما يمكن استبعاده من الدعم «من غير المستحقين له»، بذرائع وأسباب ومبررات متباينة، وتحت عناوين مختلفة، أهمها: «إيصال الدعم لمستحقيه»، أي تقليص شريحة «مستحقي الدعم» إلى أبعد الحدود، ولكل طويل عمر!
وتالياً: من خلال تحويل هذا الدعم من دعم على السلع إلى دعم نقدي، وذلك لمن تبقى من «مستحقي الدعم» المقلَّصين، طبعاً وفقاً لتقديرات الفروقات السعرية الرسمية لمقدار مبلغ الدعم المخصَّص لهؤلاء، عند البدء بتنفيذ هذه الخطوة.
وأخيراً: من خلال تآكل قيمة هذا الدعم النقدي تباعاً، لأسباب اقتصادية ومالية ونقدية وسعرية، متشابكة ومعقدة.
إلهاء وتبديد جهد ووقت إضافي
وكإلهاءٍ إضافيّ عن جوهر موضوعِ الإجحاف الذي جرى ويجري بحق المواطن بما يخص الدعم، سيتمُّ إغراقُه بتفاصيل إضافية تُثقِل عليه، وتبدِّد جزءاً إضافيّاً من جهده ووقته.
فحديث الوزير مثلاً عن «وجود 100 ألف متوفَّى لا يزالون يحصلون على الدعم»، أو حديثه عمَّن حصل على بطاقة وهو «يعمل خارج سورية»، كمبرّرات لتقليص شريحة المستفيدين من الدعم، ربما يفرضُ لاحقاً على مَن تبقى مِن «مستحقّي الدعم» أن يقدّموا بين الحين والآخر وثيقةً تثبتُ بقاءَهم مع أفراد أسرتهم على قيد الحياة أولاً، وفي البلد ولم يغادروه ثانياً، كي يستمرَّ حصولُهم على ما تبقى من مستحقاتهم، ولم لا، فهذا «مبرَّرٌ ومشروع»، بغض النظر عما يترتب عليه من أعباء بالنسبة لهؤلاء!
وكذلك حديثه عن إطلاق برنامج جديد يحمل اسم «أريد دعماً»، حيث «يُمكّن مستخدميه من إدخال المعلومات المطلوبة ليصار إلى تأمينها»، الذي يمكن اعتباره منصة «ذكاء» إضافية سيتوه خلالَها طالبو الدعم، ويبدِّدُونَ جزءاً إضافيّاً من وقتهم، وأيضاً حديثُه عن إحداث «شاشة اعتراض» ضمن تطبيق «وين»، تعرض «أسبابَ استبعاد البعض من الدعم»، التي ستكون عبارة عن متاهة «ذكية» إضافيّة مخصَّصة للمستَبعَدِين من الدعم، لتوضيح سبب استبعادهم وتسجيل اعتراضهم، مع عدم ضمان قبول تلك الاعتراضات طبعاً.
ولا ندري ما ستتفتق عنه القريحة من آليات إضافية للإلهاء ولتبديد الجهد والوقت، بالتوازي طبعاً مع استمرار آليات ووسائل لجم التذمر والاعتراضات وتمييعها، وطُرُق كَمّ الأفواه المتَّبَعَة!
الكارثة الكبرى
الطامة هي أنّ الاستراتيجية الرسمية المتعلقة بـ«الدعم» لن تقتصر على تقليص شريحة مستحقِّيه، ولا على ما تصل إليه تلك الاستراتيجية من تآكل للدعم النقدي المخصَّص لهذه الشريحة، مهما كان مبلغ هذا الدعم النقدي، بل إنها بالكارثة الكبرى جرَّاء استكمال تحرير أسعار السلع والخدمات، كنتيجةٍ حتمية لمسيرة إنهاء الدعم الرسمية، أيْ مزيد من التدهور المعيشي والخدمي للغالبية المفقرة، وبسرعة قياسية.
فالحديث هنا ليس عن الفروق السعرية لبضعة كيلوغرامات من السكر والرز والخبز، كمخصصات يومية وشهرية للمستحقّين، أو عن الفروق السعرية لبضعة ليترات من مازوت التدفئة، أو عدد محدود من أسطوانات الغاز المنزلي سنوياً، رغم أهمية وضخامة كل ذلك بالنسبة للغالبية المفقرة طبعاً، بل عن الفروق السعرية الكبيرة التي سيتحملها المواطن جرّاء تحرير أسعار كل السلع والخدمات بالنتيجة، والتي ستكون على شكل سلسلة متتابعة وغير مسقوفة من رفع الأسعار، والتي سيكون مهمازها، كما العادة طبعاً، رفع وتحرير الأسعار الرسمية للمشتقات النفطية وحوامل الطاقة عموماً (مازوت – بنزين – غاز – فيول - كهرباء)، وما يتبعها من سلاسل رفع تكاليف، وبالتالي الأسعار، على كل السلع والخدمات، ثم كل ما يتبع التحرير السعري على السلع والبضائع، الأساسية وغير الأساسية، في الأسواق، والتي لن يدفع ضريبتها إلا الغالبية المفقرة طبعاً، مقابل استمرار استفادة كبار الحيتان وأصحاب الثروة والفاسدين، بل وزيادة ثروات ونفوذ هؤلاء.
الإنتاج والاقتصاد الوطني
ولا يغيب عن الذهن بعد كل ذلك الانعكاسات السلبية لاستكمال تحرير الأسعار، وفقاً للسياسات الحكومية، على العملية الإنتاجية وسلاسلها (ما تبقى منها طبعاً)، وسلاسل التوزيع والبيع، والدورة الاقتصادية عموماً، وبالتالي الاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية.
فمن الواضح أن السياسات الليبرالية المتَّبَعة ماضيةٌ على قدم وساق، وهي غير آبِهَةٍ بالنتائج الكارثية التي ستقع، ولا بالغالبية المفقَرة، ولا بالاقتصاد الوطني والمَصلحة الوطنية!
فهل من المستَغرَب بعد كل ذلك القول بأنّ هذه السياسات قد وصلت لمرحلة التوحُّش، وستتجاوزُها؟!