هل تقوى «إسرائيل» على استهداف إيران فعلاً؟
أثارت التصريحات الصادرة مؤخراً عن مسؤولين عديدين في حكومة العدو، حول استعداد الأخير لتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، ردودَ فعل متباينة، ولا سيَّما أنَّ الحديث يترافق مع تجهيزات على الأرض (أو إيحاء بذلك على الأقل)، حيث صادقت «اللجنة الوزارية للتسلح» على شراء 12 مروحية حربية من طراز (CH-53K) ومخزون كبير من الذخيرة الخاصة بـ«القبة الحديدية» المضادة للصواريخ.
قبل القفز إلى الاستنتاجات، لا بد من وضع التهديدات «الإسرائيلية» في سياقها، حيث تزداد وتيرتها بشكلٍ خاص بين جولات التفاوض التي تتم في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة باسم «الاتفاق النووي الإيراني»، والتي سبق للإدارة الأمريكية أن انسحبت منها في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، وتجري اليوم محاولات للعودة إليها في ظل موقف إيراني صلب يشدد على ضرورة رفع العقوبات كاملةً عن إيران (وليس تجميدها فقط) وضمان ألا تنسحب الإدارات الأمريكية اللاحقة من الاتفاق، وهو موقف ناتج في الغالب عن إدراك إيراني أن توازنات القوى تغيّرت عما كانت عليه في 2015 (لحظة الوصول للاتفاق)، وباتت تسمح بالمضي خطوة كبيرة نحو الأمام في هذه المواجهة.
في هذه الأجواء، يأتي السلوك «الإسرائيلي» بوصفه ضغطاً على المفاوضات ذاتها، أما أسباب هذا الضغط فيميل البعض إلى فكرة أن الكيان يرى أن رفع العقوبات عن إيران سيشكل عاملاً إضافياً من عوامل القوة الإيرانية سرعان ما ستتم ترجمته في ميدان المواجهة مع «إسرائيل». وفي الوقت ذاته، تخشى أوساط في الكيان من أنَّ تعطيل التوصل إلى حل سيجعل من إيران قوة نووية خلال زمنٍ قياسي، وهذا شيء أيضاً لا يريد الكيان حدوثه.
وفقاً لهذه الحسابات، فإن الحل الأمثل بالنسبة لبعض الأصوات في «إسرائيل» هو أن يتم «إجبار» طهران على القبول بـ«شبه اتفاق»، ما يعني التوصل إلى صيغة تحدّ من القدرات النووية الإيرانية ولا ترفع العقوبات صراحة عن إيران، وتأملُ أنَّ التلويح بالحرب قد يجبر طهران على تليين موقفها. بينما تعبّر أصوات أخرى عن قناعتها بأن الحرب خيار وحيد مع إيران وتحاول جاهدة جعل هذه القناعة متبناة من جانب الولايات المتحدة.
المفارقة هنا أن كلا الخيارين لا يصبان في مصلحة الكيان، فلا إيران يبدو أنها ستتراجع عن موقفها إزاء الاتفاق، ولا الجانب الأمريكي قادر على أن يضمن تبعات مواجهة عسكرية مع طهران. وبين هذا وذاك يتضح عمق الأزمة التي يحسّ بها الكيان حيث لم يعد سنده الدولي قادراً على حمايته كما في السابق، ولا هو بقادرٍ على ردع القدرات المتنامية لدى خصومه بمفرده.
وقائع المواجهات التي خاضها الكيان منذ بدايات القرن الحالي (خمس معارك خاسرة في فلسطين ولبنان على الأقل) تؤكد أن أية مواجهة سيخوضها في ظل موازين اليوم – حيث تتزايد قدرات الردع الإيرانية في ظل سند دولي وازن يتمثل بصعود روسيا والصين – لن تكون لمصلحته أبداً، ومن الممكن القول إنها ستشكّل تهديداً وجودياً للكيان ذاته قبل أي طرف آخر. رغم ذلك، لا يمكن استبعاد فكرة إقدام الكيان على مغامرة من هذا النوع بالمطلق، لكن إن جرى ذلك فسيكون ناتجاً عن سوء تقدير لدى الولايات المتحدة، صاحبة القرار دائماً في مثل هذه المسائل، أو على الأقل لدى أحد أجنحة الصراع داخل إدارتها.