حركة فلسطينية جديدة تنشأ... والكيان يتحضر للأسوأ
كشف تصاعد التحركات الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي بمدينة القدس الفلسطينية عن حقيقة باتت حاضرة حتى في حسابات العدو واستخباراته، حقيقة مفادها أن ثمة حراك فلسطيني متصاعد وهو حراك جديد (نوعياً) ولا سيما لجهة درجة الاستقلالية التي يتمتع بها.
تميل معظم التحليلات حول التحركات الجديدة التي تشهدها مدينة القدس إما إلى قصر أسبابها على بعض الجوانب السطحية (مثل موضوع كاميرات المراقبة وعمليات الإخلاء التي يقوم بها جنود الكيان دورياً) وهي الجوانب التي تمثّل غالباً فتيلاً مباشراً للتحركات لكنها لا تطال جذر المسألة، وإما إلى محاولة تجييرها لمصلحة أحد الأطراف من هنا أو هناك مما يقلل من أهمية هذه التحركات ويخفي جانبها النوعي.
لهذا، سنقف عند بعض النقاط التي لا تمثل أكثر من خطوة أولية لفهم طبيعة التحركات التي تستحق بحثاً تفصيلياً مطولاً:
- التحركات الحالية في القدس لا يمكن اعتبارها بحال من الأحوال حدثاً عرضياً، بل جزء من سلسلة تحركات تستفيد كل واحدة منها من دروس سابقاتها. بهذا المعنى، لا يمكن عزل المواجهات في منطقة باب العامود مؤخراً عن الهبات التي سبقتها، فخلال حوالي 4 أعوام، حقق الحراك الفلسطيني في القدس ثلاثة انتصارات: (منع إقامة البوابات الإلكترونية في هبة باب الأسباط عام 2017، وإجبار العدو على فتح مصلى باب الرحمة في هبة عام 2019، وإجباره مؤخراً على إزالة حواجز باب العامود وفتح الساحة الرئيسية فيه خلال الهبة الحالية المستمرة).
- يشارك في تحركات القدس عموماً، والتحركات الحالية في منطقة باب العامود على وجه الخصوص، فلسطينيون من مشارب سياسية ودينية وفكرية متباينة ومتنوعة، وهو ما يعاكس بعض الروايات التي تحاول تعميم صورة محددة حول طبيعة التحركات الأخيرة بشكلٍ يغطي على طابعها الوطني العابر للاختلافات الضيقة.
- نتيجة الخصوصية التي تتمتع بها مدينة القدس، وتحديداً لجهة أنها تتمتع بقدر ما من الاستقلالية وغير خاضعة لضرورات هذا الطرف السياسي أو ذاك، فإن القيادات الفعلية للحراك الذي نشهده اليوم وباعتراف العديد من الأطراف هي قيادات من قلب الحراك تنتجها في الغالب ضرورات المواجهة المباشرة مع الكيان وتطوراتها على الأرض.
- في التفاعل المباشر والحي تناقش الحركة بطبيعة الأحوال مروحة واسعة من الشعارات (حيث تجد من يطرح هدف تحرير باب العامود وإعادته للسيادة الشعبية، ومن يطرح تشكيل لجان من قلب الحراك لحماية أحياء القدس من اعتداءات المستوطنين... وغيرها من الشعارات التي تتراوح من حيث شدتها) وهي عملية طبيعية وضرورية تساعد على تمتين الحراك وتوجيه التباين في الآراء نحو المكان الصحيح: البحث عن الشعارات والأهداف الصحيحة التي تتوافق مع ما يمكن تحقيقه موضوعياً من مكاسب.
ما لا ينبغي إغفاله أبداً أن الحراك في مدينة القدس يتمتع في الغالب بوزن وفعالية أعلى من غيره من المناطق، ذلك لخصوصية المدينة ورمزيتها كونها واحدة من أهم عناوين الصراع وتأثيرها كبير على غيرها من المناطق، وهو ما يفسر شراسة الاحتلال في التعامل مع الحراكات التي تخرج فيها. والحراك اليوم مرشح بشدة للتصاعد، لا سيما أن أمامه الكثير من الاستحقاقات مثل يوم الإثنين المقبل 10 أيار الذي من المتوقع أن يكون يوماً للمواجهة نظراً للتحضيرات التي يقوم بها المستوطنون لإحياء «يوم القدس» الصهيوني، وسط تخوفات تعبّر عنها أجهزة استخبارات العدو التي تدرك جيداً أن لا طاقة لها على تحمّل حراك مستقل في مدينة القدس من شأنه أن يحمل «العدوى» إلى غيره من المناطق.