دسّ «نظرية المؤامرة» في الدسم
الكتابة عن «إعادة الضبط الكبرى» ليست أمراً سهلاً. فقد تحوّلت إلى نظرية مؤامرة فيروسيّة تزعم كشفها لشيء لم يحاول أحدٌ إخفاؤه، ومعظمه لم يحدث بالفعل، وبعضها يجب أن يحدث.
بقلم: نعومي كلاين
ترجمة وإعداد: قاسيون
في حزيران الماضي أطلق المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» من منتجع تزلّج سويسري، حواراً حول استخدام قوّة الأسواق لإنهاء الفقر في الأرياف. وعبر مقالات وفيديوهات ومؤتمرات وبرامج إذاعية وكتاب لمؤسس المنتدى كلاوس شواب، منحونا إعادة تسمية لجميع الأشياء التي يقوم بها دافوس بكل حال، لتصبح خاصة بحقبة فيروس كورونا، حيث أعيد تجميعها على عجل بوصفها مخططاً لإحياء الاقتصاد العالمي بعد الوباء باسم «إعادة الضبط الكبرى»، وذلك من خلال «السعي لنمط رأسمالية أفضل».
«إعادة الضبط الكبرى» كانت مكاناً للترويج للتكنولوجيا الهادفة للربح بوصفها الحل للمشكلات الاجتماعية المعقدة، ولسماع آراء رؤساء شركات النفط الكبرى حول الحاجة الملحّة للتصدي لتغير المناخ، وللاستماع للسياسيين وهم يرددون سطور الأزمات ذاتها: إنّها مأساة لكنّها أيضاً فرصة، وبأنّهم سيعيدون بناء الكوكب بشكل أكثر عدلاً وخضرة وصحة.
باختصار: أحاديث «إعادة الضبط الكبرى» تشمل الأشياء الجيدة ذاتها التي لن تحدث مطلقاً، وبعض الأشياء السيئة التي ستحدث بكل تأكيد. أيّ أحدٍ تابع خُطب دافوس من قبل ووصفها للرأسمالية كمجرّد عربة للتخفيف من الفقر وبرنامج لاستعادة الصحّة البيئية، لن يضلله أمر بثّها عبر الإنترنت.
«إعادة الضبط الكبرى» ليست أكثر من النسخة الأخيرة من التقاليد ذاتها المطليّة بالذهب، والتي بالكاد يمكن تفريقها عن أفكار دافوس الكبرى السابقة. بدءاً من «تشكيل عالم ما بعد الأزمة» في 2009 مروراً بـ «إعادة-تفكير، إعادة-التصميم، إعادة-البناء» في 2010 و«التحويل الأكبر» في 2012 وصولاً إلى ما لا يمكن نسيانه في 2018: «خلق مستقبل مشترك في عالم متصدّع».
مخرجو «إعادة الضبط الكبرى» يعملون بخبث، فهم يريدون خلق الانطباع بأنّ الرابحين الكبار في هذا النظام على وشك تنحية الجشع طواعية للقيام بجديّة بحلّ الأزمات المستعرة التي تزعزع استقرار عالمنا بشكل جذري.
ماذا عن نظرية المؤامرة؟
لكن بمجرّد أن تبحث في الإنترنت عن عبارة «إعادة الضبط الكبرى» فستمطرك فقاعة هائلة من «الكشف» عن عصابة العولمة السريّة برئاسة شواب وبيل غيتس، والذين يستخدمون حالة الصدمة التي أحدثها فيروس كورونا – الذي يعتبره هؤلاء «الخدعة بحدّ ذاته» – بهدف تحويل العالم إلى دكتاتورية عالية التقنية ستسلبك حريتك إلى الأبد.
هل يجعلك هذا مُربَكاً؟ لستَ وحدك في ذلك. لقد حاولتُ لأشهر تجاهلَ كلّ هذه الأحاديث التي يدلي بها «باحثو» الإنترنت باكتشاف أنّ كلّ هذا مجرّد مثالٍ عن عقيدة الصدمة، المصطلح الذي صغته قبل عقد ونصف لوصف محاولة النخب استخدام الكوارث لتطبيق سياساتهم وإثراء الأثرياء والحد من الحريات الديمقراطية.
لدينا تسونامي من الأمثلة عن عقيدة الصدمة منذ بدء الوباء: قيام وزيرة التعليم الأمريكية بإطلاق حملة «خيار التعليم» بدلاً من منح المدارس العامة الموارد اللازمة لإبقاء صحّة الأطفال بمأمن، أو إحكام «وادي السيليكون» قبضتها والذي سميته «صفقة الشاشة الجديدة»، أو هجوم حكومة مودي الهمجي على حماية الأسعار بالنسبة للفلاحين الهنود... والكثير غيرها.
لكن، وكما شهدنا في الأسابيع الماضية، فآلاف المعلقين اليمينيين، والسياسيين أمثال وزير الخارجية البرازيلي وسياسيين معارضين أستراليين وكنديين، أعادوا إحياء ما كان حتّى وقت قريب مجرّد نظريّة مؤامرة هامشية. جميع هؤلاء اتفقوا على إخافة متابعيهم ممّا ادعوا بأنّه «اشتراكية خضراء» مقنّعة ببرامج «إعادة الضبط الكبرى».
هل يعتقد هؤلاء الناس بحق بأنّ شواب يريد إنهاء أعمال بريتش بتروليوم بتعاون وثيق من بريتش بتروليوم؟ إنّ الرسائل التي يبثها الإعلام والسياسيون اليمينيون المدعومون من الشركات تجد الاهتمام الجماهيري ليس لأنّ كلّ الناس مغفَّلون، بل لأنّ معظمَهُم غاضبون.
لدى الناس كامل الحق ليغضبوا، فقد شهدوا إنفاق المليارات لمنع سقوط الأسواق وإنقاذ الشركات العابرة للحدود وزيادة ثروات المتربحين من الوباء. هل من المستغرب أن يصدّق المنهوبون أنّ ذات النخب الذين ابتلعوا ثرواتهم واحتفلوا بها في جزرهم الخاصة، مستعدون للمبالغة بمخاطر الوباء كي يدفعوهم جبراً لتناول دواء «أخضر» يزيد أرباحهم؟
لننظر باختصار إلى أحد هؤلاء السياسيين: جيسون كيني الذي وصل للسلطة في ألبرتا-كندا كمدافع وقح عن مصالح مستنقعات النفط. وعد بفتح جميع خطوط الأنابيب بغض النظر عن المعارضة، وأنشأ «غرفة حرب» لمراقبة جميع المعارضين. في آذار الماضي مع بدء الوباء، سرّح كيني 20 ألف عامل تعليمي بذريعة تغطية نفقات محاربة الوباء، رغم أنّه أنفق 7 مليارات دولار من أموال الإعانات العامة على شركة خطوط نفط كيستون. ثمّ قام بعد ذلك بتسريح 11 ألف عامل صحّي، وذلك ضمن خطّة واضحة لفتح الباب لخصخصة القطاع الصحي على الطريقة الأمريكية.
لن يكون مفاجئاً إذاً انفجار فيروس كورونا على الطريقة الأمريكية في ألبرتا مع زيادة بنسبة 10% على المتوسط، الأمر الذي دفع جيسون كيني للتسوّل لرئيس الوزراء ترودو لمنحه أموالاً لبناء مستشفيات ميدانية. لن يكون مفاجئاً أيضاً أن يتطلّع كيني لإطلاق سحابة دخان على منجزاته، ففي حديث مباشر عبر فيسبوك أشار كيني بأنّ خطّة شواب هي انتهاز كوفيد-19 لتحقيق أهدافه، متهماً خطة هذا الأخير بأنها «حقيبة من الأفكار اليسارية التي تريد حريات أقل وحكومة أكثر... وأفكار سياسات اشتراكية فاشلة»، ليعلن بعدها بأنّه «يرفض بشكل صريح انتهاز الوباء لتمرير أجندة سياسية تحمل رؤاهم وقيمهم».
لكن ما يثير الحزن أنّ رفض كيني للانتهازية لم تشمل عدم تسريح آلاف عمّال التعليم والصحة في مقاطعته، ولا مئات المرضى الذين لا يجدون من يعالجهم في المستشفيات.
الأمر باختصار، وكما وصفه ستيف بانون عند حديثه عن الاستراتيجية المعلوماتية المتبعة في حقبة ترامب: «طوفان يغرق المكان بالهراء». إن كنت لا تريد أن تدعم الاتجاه البيئي، فالطريقة الأفضل أن تلوّث وتُشوِّهَ كامل المعلومات البيئية المدعومة من أنصار الديمقراطية. ينسحب ذلك على كلّ شيء لا تريد النخب القيام به، وضمن ذلك الصحّة العامة والأجور وتعويضات البطالة.
بتصرّف عن: The Great Reset Conspiracy Smoothie