ما هو الهدف الفعلي للاعتداءات الصهيونية، وما هو المعنى العميق لها؟
سعد صائب سعد صائب

ما هو الهدف الفعلي للاعتداءات الصهيونية، وما هو المعنى العميق لها؟

يسود توافقٌ -ملفت للانتباه- في تقييم أهداف الاعتداءات العسكرية «الإسرائيلية» المتكررة على سورية؛ إذ نسمع من محللين من الجهات المختلفة تقييماً موحداً خلاصته هي أن الاعتداءات تستهدف مواقع أو قوات أو أسلحة أو قادة إيرانيين ومن حزب الله يعملون على الأراضي السورية، وأنّ هدفها هو تقويض إمكانيات نقل السلاح إلى حزب الله، وكذلك تقويض «النفوذ الإيراني»...

ورغم أنّه لا يمكن اعتبار القراءة السابقة خاطئة بالكامل، لكنها بالتأكيد قراءة جزئية لا تعكس سوى جزء من الحقيقة، خاصة أنّ وجود تأثير فعلي بالمعنى العسكري لتلك الغارات، هو أمر مشكوك به من الأساس...

لوضع الأمور في سياقها، لا بد من الإشارة قبل كل شيء، إلى أنّ الغارات نفسها ومعدل تكرارها، قد ارتفع بشكل كبير خلال النصف الثاني من عمر الأزمة السورية، وبشكل خاص في السنوات الثلاث الماضية... وهذا أمرٌ يسمح تفسيره بالاقتراب من فهم حقيقة المسألة...

ما نعتقده هو أنّ أي تدخل «إسرائيلي» علنيٍ في السنوات الأولى، كان من شأنه أنْ يضع التناقض مع الصهيوني بالنسبة لعموم السوريين - الذين لم تكن قد تعمقت الجراح المتبادلة فيما بينهم- فوق كل التناقضات الأخرى، وبشكل خاص فوق ثنائيات وهمية طائفية وقومية... وهذه الثنائيات بالذات، وخاصة الطائفية، كانت مطلوبة بشدة في السنوات الأولى كي تنجز (مدعومة بالقمع الأمني والتدخلات الخارجية) عملية حرف الحركة الشعبية عن سلميتها، بل ودفع الأمور في البلاد نحو ما يشبه اقتتال داخلي أهلي... وليس خافياً أن للصهيوني مصلحة كبرى في ذلك.

وإذا كان الأمر كذلك حتى نهايات 2015، فإنّ الأمور بدأت بالتغيّر مع الدخول الروسي العسكري المباشر؛ فمن جهة بدأت الحرب الحقيقة على داعش مع ما يستتبعه ذلك من تقليصٍ لأرضية اللعب على المسألة الطائفية... ثم جرى تضييق هذه المساحة إلى الحدود الدنيا مع انطلاق مسار أستانا 2017، وتطويقه التدريجي لساحات القتال والعنف...

أي أنّ مصير البلاد مع تراجع سيطرة داعش ومثيلاتها، ومع تراجع حدة الاقتتال الداخلي، بات مفتوحاً مجدداً على احتمالات إيجابية بينها خروج سورية من أزمتها، وخروجها موحدة وبمنظومة جديدة تنتمي إلى التوازن الدولي الجديد، مع ما يحمله ذلك من مخاطر فعلية على الكيان الصهيوني...

زاوية أوسع

رغم كارثية الوضع السوري، والانتهاك السافر الذي نعيشه كسوريين بشكل يومي ضد سيادتنا كدولة وكشعب، الانتهاك من أعداء الخارج ومن أعداء الداخل المتمثلين بمنظومة النهب والقمع الليبرالية، ورغم جملة صفقات التطبيع وما يرافقها من تطبيل وتزمير، إلا أنّ هذا كلّه لا ينبغي أن يعمينا عن القراءة الحقيقية لوضع الكيان الصهيوني...

كلمة السر في قراءة وضع الكيان الصهيوني، هي الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري للغرب عموماً وبشكل خاص للولايات المتحدة وبريطانيا؛ فالكيان، كان ولا يزال استطالة للمشروع الغربي ضمن منطقتنا، والأزمات التي يعيشها على المستويات المختلفة هي تعبير عن أزمات المركز الغربي نفسه... (بين تعبيرات أزمة الكيان عدم ثبات أي حكومة طوال السنتين الماضيتين، رغم «الإنجازات» التطبيعية التي يبدو أنّ «الإسرائيليين» أنفسهم هم أكثر من يعرف قلة أهميتها ومدى استعراضيتها الفارغة).

منذ عقدين من الزمن، كنا نتحدث عن الأزمة الأمريكية القادمة، وأنها ستكون أضخم وأعمق من أزمة 1929، وأنها يمكن أن تهدد الوجود السياسي لأمريكا نفسها كبلد واحد... اليوم لم يعد ينكر هذه المسألة حتى الأمريكيون أنفسهم... (هنالك طبعاً "ليبراليو منطقتنا" وبراميل نفطها لا يزالون يتمسحون بالغرب وبتقدمه...)

في السياق ذاته فإنّ الاتجاه العام لوضع الكيان الصهيوني هو نحو التراجع، ولذا فإن من الضرورات الوجودية بالنسبة له، استمرار الأزمة السورية واستمرار تدمير سورية... وإذا كان ولا بد من حل، فينبغي أن يكون مصمماً بحيث لا يشكل خطراً على الكيان الصهيوني...

بين 242 و2254...

لكي نوضح مدى تأثير حل الأزمة السورية على الكيان الصهيوني، نقول التالي: درجة عمق وتعقيد وتشابك الأزمة السورية هي انعكاس لعمق الصراع الدولي الكثيف الجاري... وبالتالي، فإنّ الطريقة التي ستحل ضمنها الأزمة السورية، ستكون من أول التعبيرات السياسية الواضحة عن التوازن الدولي الجديد الذي يتراجع ضمنه الغرب ويتقدم الشرق، يتراجع ضمنه الأمريكان والبريطانيون والفرنسيون، ويتقدم الروس والصينيون...

ولأنّ الأمريكي يعلم ذلك تماماً، فإنه بات يعبر منذ سنوات، أنّ خطته الأفضل في سورية هي عدم الوصول إلى حل، لأنّ الوصول إلى حل يعني خسارته... وهذا عبر عنه جيمس جيفري بوضوح تام وبشكل متكرر، بالقول إنّ وظيفته تحويل سورية إلى مستنقع للروس، ومن ثم بقوله أنّ (الجمود/الطريق المسدود هو الاستقرار) المطلوب في سورية من وجهة النظر الأمريكية.

أكثر من ذلك، فإنّ حل الأزمة السورية، أي تنفيذ القرار 2254، يعني أنّ القرارات الدولية، ضمن التوازن الدولي الجديد، ليست حبراً على ورق وفقط، بل قرارات للتنفيذ... ما يعني أيضاً أن القرار 242 و338 وغيرها من القرارات هي الأخرى ستكون موضع التنفيذ...

علني وسري

ليس خافياً على أحد أنّ الأدوار الصهيونية هي أدوار كبيرة ضمن الأزمة السورية، ومما قبل 2011، وذلك رغم أنّ وضع اليد على الأدلة «الجنائية» لذلك، هو مسألة شديدة الصعوبة.

رغم ذلك، فإنّ «إسرائيل» ليست موجودة في أي إطار رسمي ذي علاقة بحل الأزمة السورية، فلا هي ممثلة بالمجموعة الغربية المصغرة، ولا في أستانا، ولا في مجموعة الدعم الدولية (فيينا)، ولا في المجموعة المنقرضة المسماة «أصدقاء سورية»... وهذا أمر طبيعي جداً، فالصهيوني عدو واضح للشعب السوري ولسورية، ولا يجرؤ أحد عموماً على إقحامه في أي شأن رسمي خاص بسورية... اللهم إلا بعض النكرات الذين ظهروا خلال السنوات الماضية.

بهذا المعنى، فإنّ طريقة حضور «إسرائيل» في المفاوضات المتعلقة بالشأن السوري، ومن وجهة نظرها، يتم عبر أسلوب واضح هو الغارات المتكررة بغض النظر عن تحقيقها أو عدم تحقيقها للأهداف العسكرية... (لتوضيح مقصدنا بعدم تحقيق تلك الغارات لهدفها المعلن، فإلى جانب أنّ الوقائع تقول إن تلك الغارات لم تشكل أي إعاقة جدية لعمليات الإمداد والتسليح وغيرها من العمليات، يمكننا أن نلفت نظر القارئ إلى مثال قطاع غزة الذي يكشف أنّ قطع الإمداد هو عملية شديدة الصعوبة حتى في ظروف مثل ظروف قطاع غزة... فكيف بمنطقة شديدة الاتساع ممتدة عبر عدة دول...)

بكلام آخر، فإنّ الاعتداءات الصهيونية المتكررة على سورية، في اعتقادنا، تكاد لا تمتلك أيّ أهداف عسكرية جدية... بالمقابل فإنّ هدفها الأساسي هو هدف سياسي جوهره هو القول: نحن هنا ونريد أن يكون رأينا حاضراً...

وهذا الكلام في جوهره، يعني أنّ هنالك احتمالاً جدياً يخشاه «الإسرائيلي» هو أن لا يكون حاضراً، وأن تمضي سورية باتجاه الحل خلافاً لإرادته ورأيه... وهو الأمر القابل للتطبيق والواجب التطبيق من وجهة النظر الوطنية السورية...

 

النسخة الإنكليزي

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 16 شباط/فبراير 2021 23:15