رأي: هل تنتفض روسيا حقاً؟
لماذا، بعد هذه الفترة الطويلة من الهدوء «حدث آخر احتجاج جماهيري واسع قبل عامين على خلفية رفع سنّ التقاعد إلى 65 عاماً» خرج هذا العدد الكبير نسبياً «المصادر الرسمية تقول بأنّ الذين خرجوا أقلّ من عشرة آلاف متظاهر، وكانت المظاهرة الأكبر في موسكو بأربعة آلاف شخص».
بقلم: ألكسندر بوزغالين*
ترجمة قاسيون
يحاول الإعلام الغربي التسويق للأمر بأنّه حدث على خلفية اعتقال نافالني الذي رسم لنفسه هالة الشهيد بعد عودته إلى روسيا. لكنّ نافالني الذي بدأ كقوميّ يدعو لوضع قيود على الهجرة وما إلى هنالك، ثمّ أعاد تشكيل صورته كمحارب نيوليبرالي ضدّ الفساد، هو في واقع الأمر شخصيّة لا قيمة كبرى لها. الواقع أنّ نافالني يقف خلفه قسم من مالكي رأس المال ذوي الاتجاه التمويلي وأنشطة المضاربة، والعناصر المهمشة من مناصري العولمة وقسم من بيروقراطية الدولة، بالإضافة للمؤسسة المناصرة لليبرالية في الغرب.
لكنّ نافالني ومن خلفه، ورغم مناوراتهم خلف الستار، غير قادرين على إخراج الناس المنتمين لقطاعات مختلفة إلى الشوارع. وذلك رغم أنّ الغالبية من المواطنين الروس – أو ربّما بسببه – غارقون في مستنقع من الركود. فمنذ الأزمة المالية 2008 والاقتصاد الروسي إمّا يحقق نمواً بنسبة 1 إلى 2%، أو يتقلص بذات المعدلات. وأجور غالبية الروس لم تنمو، وسنّ تعويض التقاعد تمّ رفعه خمسة أعوام، وقانون العمل يعتبر الإضراب أمراً غير قانوني.
قبل بضعة أعوام وفّر الإحساس المتجدد بالفخر الوطني الذي أرست دعائمه السياسية الخارجية المستقلة، أساساً هاماً لدعم الشعب للقيادة. لكنّ هذا الأمر استنزف نفسه وبات الغالبية يطلبون حلولاً لمشاكل بلادهم الرئيسية. في واقع الحال هناك في روسيا اليوم عقليّة «معارضة» أكبر وأوسع بكثير من القلّة الذين نزلوا إلى الشوارع، فلماذا لم ينزل هؤلاء؟
رغم وجود عوامل ثانوية، فالسبب الرئيسيّ لذلك أنّ الشعب الروسي لا يدعم المعارضة الليبرالية الذي يتوق سياسيوها ليصبحوا قادة الاحتجاجات. لا يزال الغالبية العظمى من الروس يتذكرون «الإصلاحات» الليبرالية في التسعينيات، والتي أدّت ديمقراطيتها المنشودة إلى قيام الدبابات بقصف أوّل برلمان منتخب بشكل ديمقراطي. وهم يتذكرون الليبرالية بوصفها جلبت لهم الركود الذي أدّى لانهيار الإنتاج إلى النصف، والمداخيل إلى الثلث.
والذين لم يعيشوا تلك الحقبة، شاهدوا على التلفزيونات الطريقة التي قامت فيها قوات الأمن الأمريكية بتحطيم الاحتجاجات المناهضة للعنصرية والقمع، والأساليب التي استخدمها الشرطة الفرنسية لكسر تظاهرات السترات الصفراء.
من الذين تظاهروا إذاً؟
ينتمي المتظاهرون عموماً، وخاصّة في موسكو، إلى قاطني الأماكن الميسورة – حيث المداخيل هي ثلاثة أضعاف وسطي الأجور الروسي. والطابع الغالب على المحتجين هو كونهم من الشباب، ومن بينهم الطلبة الذين تبلغ أعمارهم في بعض الأحيان 15 أو 16 عاماً.
بعض المشاركين من الفئات الأصغر سناً خرجوا دون شك لأنّ الأمر يعتبر «صيحة» بالنسبة لهم، وخاصة إن كان بإمكانك التقاط صورة سيلفي إلى جانب شرطي، أو أن تظهر في نشرة الأخبار، والأفضل إن كانت نشرة الأخبار عالمية تبعاً لتخصيص الإعلام الغربي لموارد هائلة لتعزيز هؤلاء «القادة الليبراليين».
لكنّ غالبيّة الذين تظاهروا قاموا بذلك لأنّهم من المؤيدين للقيم الليبرالية: الفردية والملكيّة الخاصة والسوق والحريات الشخصية. هؤلاء مقتنعون بأنّهم سيحققون النجاح في حال سادت الحريات الليبرالية، وسيكونون مطلوبين. مثل هذا النمط في التفكير سائد بشدّة بين تلامذة موسكو والمدن الروسية الكبرى الأخرى، وتكوين قناعاتهم بهذا الشكل ليس صدفة.
قد يكون هؤلاء محقين في طموحهم، ففي بيئة نظام نيوليبرالي قد يشكّل هؤلاء عمالة «بعقود مستقلة» ناجحة أكثر منهم في الوقت الحالي. يعتقد هؤلاء بأنّ هذا النمط الليبرالي سيمنحهم الحريّة، لكنّهم لا يدركون بأنّهم ضحايا لتلاعب ثقافي إيديولوجي، وحال تحقق مرادهم سيتحولون لعبيد متنافسين على أزهد الأجور.
بتصرّف عن: Is Russia waking up?
*ألكسندر بوزغالين: بروفسور الاقتصاد في جامعة موسكو العامّة، ومنسّق الحركة الاجتماعية «البدائل». وهو عضو في اللجنة المنظمة للمنتديات الاجتماعية الروسية. له عدد من المؤلفات مثل المساواة العالمية وحدود رأس المال.