ما الذي ستفعله الـ 5000 ليرة... بالليرة؟!
يجري الحديث عن إصدار العملة النقدية الجديدة من فئة الـ 5000 ليرة... الأمر الذي يأخذ كثيراً من الأخذ والرد: هل لها أثر تضخمي سيخفّض قيمة الليرة مجدداً؟ أم أنها مجرد ورقة جديدة تستبدل القديم من الأوراق النقدية؟
المشكلة أن كل ما يقال في سياق الحديث عن إصدارات العملة الجديدة صحيح، ولكن جميعه أيضاً منقوص... وأكثر ما ينقصنا هو المعلومة الصحيحة التي تحجبها الجهات التي يفترض أن تعلنها. وعلى هذا ليس لنا إلا الاجتهاد والتحليل.
بالطبع، يؤدي طباعة المزيد من النقود وضخها في السوق إلى التضخم، أي إلى تراجع قيمة الليرة وارتفاع الأسعار، فزيادة كتلة الليرات الموجودة في السوق تعني تراجع قيمتها، وتحديداً في ظروف تراجع الطلب على الليرة نتيجة وجود ركود اقتصادي شامل وعميق. وإذا ما كانت هذه الإصدارات الجديدة ستنزل السوق مقابل إتلاف أوراق نقدية قديمة بالمقدار ذاته... فإن هذا الأثر لن يتحقق، وستكون العملية مجرد استبدال.
ولكن، الاتجاه العام في سورية تاريخياً - وخلال الأزمة تحديداً- كان نحو توسيع كتلة الليرة المتداولة في السوق لتكون «فضفاضة» وأكبر من حاجة التداولات الاقتصادية للنقود... ما يجعل التشكيك والتخوّف من إصدار أوراق نقدية جديدة منطقياً، لأن الاستبدال ليس مضموناً ولم يكن العادة المتبّعة!
ومن المحتمل أن يؤدي إصدار نقدي جديد حالياً إلى خضّة في قيمة الليرة، وأن تتوجه كتلة كبيرة من الليرة في السوق لتُستبدل بالدولار، مؤدية لموجة جديدة من الارتفاع سواء كانت مؤقتة أو مستدامة. والمحدد الأساسي في هذا السلوك هو عدم الثقة التي يدعمها الظرف الاقتصادي والسياسي الهشّ، وضمنه الترويج الحديث عن تعويم العملة!
ينبغي الإشارة إلى أن كتلة الليرات في السوق السورية قد تضاعفت ثلاث مرات تقريباً بين عامي 2010-2018، واليوم لا نعلم إلى أين وصلت وهل استمر التدفق خلال العامين الماضيين أم لا... ولكن مؤشرات تضخم رقم الموازنة وتضخم كتلة الودائع في المصارف تشير إلى أن كتلة الليرة استمرت بالزيادة بآليات عدّة! قد يكون من بينها أن ورقة الـ 2000 ليرة التي بدأ تداولها في منتصف عام 2017 أضيفت إلى كتلة النقود المتداولة في السوق، ولم تستبدل الأوراق النقدية القديمة من فئة الألف والخمسمية أو أقل...
سياسة الاستمرار في «حجب المعلومات» وتحديداً النقدية والمالية هي واحدة من عوامل عدم الثقة بالسياسات الحكومية، والثقة عنصر أساسي في السياسة النقدية.
ولكن أياً تكن السياسات والإصدارات فإن الخطر الجدي على الليرة، هو التراجع العميق في دورة الإنتاج والاستهلاك المحلية: عدم توفّر الطاقة، والحرمان من الأساسيات، وكتلة الأجور التي لا تسدّ الرمق... وتوسّع كتلة تجارة الظل والقطاعات المرتبطة بالدولار من تضخيم كلف المستوردات إلى التهريب إلى الممنوعات وغيرها من استثمارات أمراء الحرب.