يونغه فلت: الكارثة السورية من وجهة نظر «حزب الإرادة الشعبية»
ديما النجار- يونغه فلت ديما النجار- يونغه فلت

يونغه فلت: الكارثة السورية من وجهة نظر «حزب الإرادة الشعبية»

ترجمة قاسيون

حول «حزب الإرادة الشعبية»

تأسس الحزب الشيوعي السوري باسم «الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان» عام 1924، وكان له تاريخ نضالي امتد بدءاً من النضال ضد الاحتلال الفرنسي والإقطاع وكذلك بعد الاستقلال. مع التراجع العالمي لوضع القوى الثورية أواسط الستينيات، تعرض الحزب الشيوعي السوري كغيره من الأحزاب الشيوعية العالمية لعدد من الانقسامات التي أضعفته. عام 1972 دخل الحزب الشيوعي السوري في تحالف الجبهة الوطنية التقدمية وهو تحالف لعدد من الأحزاب السياسية تحت قياده حزب البعث الحاكم، فأصبح الحزب مع الوقت يميل أكثر إلى إيصال مطالب الجماهير عبر ممثليه في جهازالدولة على حساب تواجده في الشارع عبر المظاهرات والإضرابات. وكلما زاد ابتعاد الحزب عن الجماهير كلما زادت أزماته الداخلية التنظيمية.

عام 1999 ظهرت أزمة جديدة في الحزب، بدت في ظاهرها كأزمة تنظيمية، لكن جوهر الخلاف كان حول الدور الوظيفي الضروري للحزب الشيوعي. الدافع كان رؤية أكثرية الرفاق في الحزب أن الأزمة الراسمالية اقتربت، وبقدومها سينفتح الأفق التاريخي أمام الحركة الثورية ليس في سورية فقط بل وفي العالم كله، وسيؤدي ذلك إلى عودة الجماهير إلى الشارع ومن واجب الشيوعيات والشيوعيين أن يكونوا جاهزين. قابلت قيادة الحزب في حينه ذلك بالقمع وتم فصل العديد من الرفيقات والرفاق من الحزب، منهم على سبيل المثال 80% من الكادر القيادي للحزب في دمشق. 

شكّل الرفاق الذين تعرضوا لهذه الإجراءات «اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين»، وكان هدفها العمل على إعادة بناء الحركة الشيوعية في سورية عبر السعي لتوحيد الشيوعيين من كافة الفصائل ومن أولئك الذين تركوا الحزب للوصول في النهاية إلى بناء حزب يقوم بدوره الوظيفي على أساس ماركسي- لينيني بعيداً عن النصوصية وعن العدمية.

عام 2012 أعلنت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين رسمياً عن تسجيل حزب شيوعي معارض باسم «حزب الإرادة الشعبية»، وخلافا للفصائل الشيوعية الأخرى لم ينضم للجبهة الوطنية التقدمية.

الكارثة السورية

بالنسبة لكثير من السوريات والسوريين فإنّ طريقة تعامل الإعلام البرجوازي الغربي مع أزمتهم، هي طريقة مثيرة للسخرية؛ هنا توثق اليونغه فلت وجهة نظر حزب شيوعي معارض «حزب الإرادة الشعبية» بالأزمة السورية

بنية النظام السوري

إذا أراد المرء أن يفهم طريقة تعامل النظام اليوم مع أزمة البلاد، فيجدر به أن يستحضر ويعي خواص النظام الثلاث الجوهرية التي صقلت بنيته منذ الستينيات: أولاً، خلفيته الطبقية البرجوازية الصغيرة عند النشأة. ثانياً: الطبيعة العسكرية التي أسهمت في الانخفاض الشديد للحريات السياسية وثالثاً: الموقف الوطني المعادي للإمبريالية خلال حقبة وجود الاتحاد السوفياتي، والذي بدأ بالانزياح تدريجياً بعد انهياره، وصولاً لإعلانه في بداية القرن الحالي تبني السياسات النيوليبرالية الغربية. 

التناقض الواضح بين الاصطفاف الدولي للنظام السوري في معاداة الامبريالية خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبين سياساته الداخلية الاقتصادية الاجتماعية واللاديمقراطية، كان هو نفسه نتاجاً لطبيعة الطبقات المسيطرة في البلاد. وهذه نشأت في الستينيات كبرجوازية بيروقراطية تربحت مادياً من مواقعها. السيطرة الاقتصادية في حينه كانت للبرجوازية التقليدية، التي كانت من ناحية برجوازية صناعية ومن ناحية أخرى برجوازية كومبرادورية.

مع الوقت، ومع التطورات الدولية، وخاصة مع انهيار الاتحاد السوفياتي، التحمت مصالح البرجوازيتين البيروقراطية والكومبرادورية. الأخيرة توسطت العلاقة بالسوق الغربية والأولى سهلت ذلك عبر جهاز الدولة، واستفاد الجانبان من ذلك. وبذلك نشأت طبقة جديدة راكمت رأس مال مالي، اعتمدت على الاستيراد والتصدير وعلى الريع والخدمات، وكل ذلك بالتوازي مع علاقة متنامية سريعاً مع الغرب خاصة مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك و صندوق النقد الدولي ابتداءً من 2005. على الصعيد الإقليمي تم فتح السوق السورية لكل من تركيا وقطر.

بنية المعارضة السورية

إن ترافُق التراجع العالمي لوضع القوى الثورية العالمية مع القمع السياسي في سورية، أعاق تطور حركة سياسية فعالة. مع ذلك، كانت هنالك أشكال مختلفة من العمل السياسي سواء عبر منظمات سرية أو عبر النقابات وغير ذلك من التجمعات الثقافية.

مطلع القرن الواحد والعشرين، انفتحت مساحة إضافية جديدة للحراك السياسي. وتطورت في حينه تعاونات غريبة بين أحزاب يسارية سابقة وبين أحزاب يمينية مثل الإخوان المسلمين. كمثال وثيقة (إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي)، التي ظهرت في عام 2005 في وقت كان ثمة خطر جدي أن توسع الولايات المتحدة حربها على العراق باتجاه سورية. موقعو هذا الإعلان يشكلون النواة الأساسية لما يسلط عليه الضوء الغربي اليوم من معارضة "الائتلاف الوطني السوري". لماذا؟ لأن القسم الغالب من هذه المعارضة يستدعي باستمرار التدخل الغربي بما في ذلك العسكري، ويدعو باستمرار لتسليح الحركة الشعبية بهدف إسقاط النظام عسكرياً، وقبل كل شيء فهي معارضة تحدد مطالبها ضمن حدود المطالبة بتوسيع "الديمقراطية" وتعمي بصرها عن المسألة الاقتصادية الاجتماعية.

الحقيقة هي أنّ البرامج الاقتصادية التي تتبناها هذه المعارضة لا تختلف عن تلك التي يتبناها النظام. كلاهما يريد اقتصاد سوق حر، علاقات قوية مع الغرب، وخاصة أوروبا، علاقات قائمة على نظام التبادل اللامتكافئ وعلاقات تبعية اقتصادية. هدف معارضة كهذه ليس تغيير النظام بل الاستيلاء على السلطة.

ومن الطريف أنّ عدداً من الشخصيات القيادية ضمن القسم من المعارضة المدعوم من الغرب، كانت طوال عمرها جزءاً من النظام وشغلت مناصب أساسية في جهاز الدولة طوال عشرات السنوات!

فضاء سياسي قديم وآخر جديد

الفضاء السياسي الموصوف أعلاه من المعارضة والنظام ما زال مسيطراً على المشهد. عودة الحركة الشعبية إلى الشارع شكل مؤشراً على موت ذلك الفضاء السياسي وعلى ضرورة ولادة فضاء سياسي جديد يعكس إرادة الناس، يفهم همومها ويشاركها أحلامها. البلاد تمر في مرحلة وصفها الشيوعي الإيطالي غرامشي (1891-1937) بقوله: «القديم ينهار، والجديد لم يولد بعد، وفي هذه الأثناء تكثر الوحوش»...

"الفوضى الخلاقة" والعقوبات

التناقض بين الطرفين المتشددين في النظام والمعارضة،على غرار أي تناقض بين قسمين من البرجوازيات، هو تناقض ثانوي. المصلحة المشتركة لكليهما كانت في تشويه الحركة الشعبية لمنع ولادة فضاء سياسي جديد عصي على التلاعب به. كان من الممكن لمناخ سياسي سلمي أن يسمح للحركة الشعبية بتطوير مستوى أعلى من الوعي الطبقي. لذلك جرت تغذية النزعات الطائفية والنزعات العنيفة لتفرقة الشعب، التدخلات الخارجية الغربية عززت تماماً هذا الاتجاه.

كان يمكن لسورية أن تسلك الطريق الليبي أو العراقي. لكن أعيق تنفيذ هذه السيناريوهات عبر الفيتوهات الصينية والروسية في مجلس الأمن من ناحية، كما عبر التدخل الروسي المباشر من الناحية الأخرى. الفرق الجوهري بين التدخل الغربي والتدخل الروسي يكمن في أن الغرب يريد في الشرق الأوسط، بحسب تعبير كونداليزا رايس وزيرة خارجية جورج دبليو بوش، إطالة أمد "الفوضى الخلاقة" قدر المستطاع. فالغرب يرزح تحت أزمة اقتصادية عميقة ويجد نفسه في تنافس شديد مع القوى الصاعدة دولياً وخاصة الصين وروسيا. القوى الصاعدة لها مصلحة في الاستقرار السياسي وخاصة في جوارها القريب.

إضافة لذلك يفرض الغرب عقوبات أحادية تضر فقط بالشعب السوري. تهدف العقوبات إلى تكريس ظروف العزلة الاقتصادية وفتح احتمالات التقسيم مجدداً، وقبل كل شي التسبب بالمزيد من الفوضى التي تهيئ الأرضية لنمو الإرهاب مجدداً.

الحل السياسي

منذ البداية كان حزب الإرادة الشعبية جزءاً من الحركة الشعبية السلمية. دعا منذ 2011 لحوار يقود لحل سياسي داخلي. حاول الطرفان المتشددان إعاقة ذلك إلى أن اضطرا لقبول التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة. طريق الحل يتمثل في قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي في جوهره يضمن حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه. حزب الإرادة الشعبية ممثل في هيئة التفاوض السورية عبر «منصة موسكو». تسمية هذا التحالف المعارض باسم «منصة موسكو» جاء على أساس القرار نفسه الذي سمى ثلاث منصات للمعارضة السورية على أساس المكان الذي عقدت فيه اجتماعها التأسيسي وهي (موسكو، القاهرة، الرياض).

رغم التعثر الكبير ضمن العملية السياسية السورية، إلا أنّ الواضح هو أنّ المتشددين من الأطراف المختلفة يزدادون ضعفاً وعزلة أكثر من ذي قبل، وذلك بالتوازي مع الارتفاع المستمر في وعي السوريين السياسي بالتوزي مع التراجع الذي يعيشه العالم الغربي. ورغم أنّ نقطة النهاية للأزمة لم تتضح بعد زمنياً، إلا أنها في الأفق المنظور.

10/12/2020

المصدر: https://www.jungewelt.de/artikel/392220.linke-positionen-zu-syrien-die-syrische-katastrophe.html

معلومات إضافية

المصدر:
يونغه فلت
ترجمة:
قاسيون