من يحاول تقسيم سورية؟ حوار هادئ مع الأستاذ ألدار خليل

من يحاول تقسيم سورية؟ حوار هادئ مع الأستاذ ألدار خليل

نشر الأستاذ ألدار خليل، أحد أبرز قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي، وتيار الإدارة الذاتية، مقالاً تحت عنوان (من الذي يقسم سوريا؟!) يوم 11 من الجاري في موقع روناهي، يناقش فيه طبيعة الدور الروسي في الأزمة السورية، من خلال الرد على تصريحات لوزير الخارجية الروسية تحذر من الدور الأمريكي في سورية عموماً، وفي شمالها الشرقي على وجه الخصوص، منبهة أنه يسعى إلى تفكيك سورية.

 

سنحاول فيما يلي مناقشة بعض ما ورد في المقالة المذكورة، في إطار ضرورة فهم واقعي لماهية دور القوى الدولية، وكيفية التعاطي الصحيح معه من قبل القوى السورية التي تحاول إخراج البلاد من المأزق الوجودي الذي تمر به.

1046784502_0_125_3148_1895_1200x0_80_0_1_c22c0f1657c2c3f25afc54_p21752

حول «المهنية» الصحفية، واستثمارها

قبل أي دخول في التفاصيل، لا بد من توضيح مسألة في غاية الأهمية؛ وهي أنّ السيد خليل، وإنْ لم يوضّح ذلك في مادته، إلا أنه قد استند فيها إلى تصريح جرى نسبه للافروف من قبل الصحفي إبراهيم حميدي في مقالة له في الشرق الأوسط في اليوم نفسه بعنوان: (10 نقاط خلافية بين دمشق وموسكو في «الملف السوري»).

في تلك المادة، ينسب حميدي إلى لافروف قوله خلال لقاء له مع قناة العربية: «النقطة الساخنة الثانية، هي منطقة الجانب الشرقي لنهر الفرات، حيث يوجد الأمريكيون بصورة غير قانونية مع القوات الانفصالية، ويلعبون مع الأكراد بطريقة غير مسؤولة». وقد وضعنا «القوات الانفصالية» بالخط العريض، لأنها تحريف لما قاله لافروف.

لقاء لافروف مع العربية موجود على موقع العربية وعلى موقع يوتيوب. ويمكن العودة للجملة المنسوبة للافروف عند الدقيقة 15:30 بالضبط، ويقول حرفياً: «البؤرة الساخنة الثانية هي على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث الوجود غير القانوني للقوات الأمريكية، المقترن بتعزيز الأمريكيين للنزعات الانفصالية، وهم يلعبون بالورقة الكردية بطريقة غير مسؤولة».

أي أنّ وزير الخارجية الروسي لم يصف الإدارة الذاتية بأنها «مشروع انفصال» كما يورد السيد خليل، ولم يصف قوات قسد بأنها انفصالية، بل تحدث بالضبط عن تشجيع الأمريكيين للنزعات الانفصالية، والفارق كبير جداً بين ما أورده حميدي وبين الأصل بمعانيه وأبعاده السياسية، بل وبمن يخدم عبر التحريف المقصود. ولا نظن أنّه من المبرر أو المقبول للسياسي أن يبني مواقفه على المقالات الصحفية وما تنقله عن المسؤولين دون الرجوع إلى الأصل، خاصة حين تكون المسألة حساسة إلى هذا الحد، وحين يكون الأصل موجوداً ومن السهل الوصول إليه...

gettyimages-1174744600

معيار التقييم

بالعودة إلى منطق المعالجة لدى السيد ألدار، نرى أنه من المفيد بداية التذكير بأن الصراع الدائر في سورية بات صراعاً مركباً، له أكثر من مسار؛ فمن جهة هو صراع بين السوريين، ومن جهة أخرى صراع دولي على سورية وحولها. وخط الفصل في هذا الصراع بكل مساراته، يجري حول الموقف من اتجاه تطور الوضع السوري؛ أي حول شكل وطبيعة النظام السياسي، وبنية الدولة السورية، وسلامتها الإقليمية، وموقع سورية في شبكة العلاقات الدولية والإقليمية. وفي ظل مستوى التعقيد العالي الذي تخلل الأزمة، باتت سورية مهددة في وجودها، أي مهددة في وحدة الكيان السياسي والجغرافي. ومن أجل ذلك بات الحل السياسي التوافقي حلاً وحيداً للأزمة السورية.

ولأن الأمر كذلك، ينبغي أن تحدد أية قوة جدية في سورية موقفها من جميع الأطراف، على أساس موقف تلك الأطراف الفعلي من قرار مجلس الأمن 2254 سواء كانت أطراف دولية أو إقليمية أو سورية. سواء كان الروسي أو الامريكي أو الإدارة الذاتية أو تركيا أو إيران أو النظام أو المعارضة.

118539417916025096341280452822

توقيت ملفت للنظر!

جاءت مقالة الأستاذ ألدار في توقيت لافت بالمعنى السياسي، حيث نشرت في ظل وجود حملة واسعة تجددت مؤخراً لشيطنة الدور الروسي في الأزمة السورية. تلك الحملة التي تساهم فيها أطراف سورية «متناقضة»، من الموالاة والمعارضة، كل من موقعه وبالخطاب الذي يناسب جمهوره، بغض النظر عن نوايا كل طرف، ولكن، بما يؤدي الهدف نفسه؛ وهو التشويش على الدور الروسي في الحل السياسي بما يزيد من المساحة الافتراضية للعب الأطراف الغربية، وهي المساحة المتقلصة موضوعياً، يوماً وراء آخر.

 

من جهة أخرى، جاء المقال بعد خروج التباينات بين الطرف الروسي والنظام إلى السطح في أكثر من موقف، ومنها الموقف من تجربة الإدارة الذاتية نفسها، الأمر الذي تجلى في اختلاف الآراء حول مذكرة التفاهم التي وقعت بين الإرادة الشعبية، ومجلس سوريا الديمقراطية في المؤتمر الصحفي المشترك لوزير الخارجية السوري والروسي.

الفهم القاصر 

مشكلة العديد من القوى السورية في النظام والمعارضة ومنها البعض ضمن الإدارة الذاتية، هي محاولة اللعب على التناقضات الدولية والإقليمية لتحقيق مكاسب آنية وخاصة، أو السعي إلى أن تتبنى هذه الجهة الدولية أو تلك المشروع السياسي الخاص بها كما هو، وهذا ما يتناقض مع مستوى التعقيد العالي في المسألة السورية، وتشابك وتضارب المصالح الدولية والإقليمية والسورية حولها، ويتناقض مع مبدأ التوافق السياسي، الذي يشكل جوهر وروح القرار 2254 كأحد ثوابت الحل، وبالتالي تصبح هذه القوى في موقع المعيق للحل من حيث تدري أو لا تدري.

ليس مطلوباً من الإدارة الذاتية أو الإرادة الشعبية أو أي طرف سوري، أن يراهن على قوى دولية لتثبيت مشروعه؛ فتثبيت المشروع يجب أن يكون بالاعتماد على السوريين حصراً، أما دخول أي طرف دولي لمناصرة طرف سوري ما خارج القانون الدولي، لتثبيت مشروعه، يصبح تدخلاً، فمهمة القوى الدولية فيما يتعلق بالحل السياسي تكمن حصراً بثلاث قضايا أساسية: الحرب على الإرهاب، تحييد دور القوى الإقليمية والدولية عن مسارات الصراع الداخلي، تأمين الأجواء المناسبة كي يقرر السوريون - كل السوريين - مصيرهم بأنفسهم، من خلال تطبيق كامل للقرار 2254، بما في ذلك دستور جديد، وانتخابات حرة ونزيهة على كافة المستويات، إضافة إلى مختلف مندرجات القرار، بما يؤدي إلى نظام سياسي جديد.

1590656897

 الصراع الروسي الأمريكي 

واضح من كلام الدبلوماسية الروسية (الأصلي لا المحرّف)، والذي يرد عليه الأستاذ ألدار في مقاله، أنه يوجه الاتهام المباشر للجانب الأمريكي بمحاولة تقسيم سورية، أي أن المعني الأول بالحديث-الاتهام هو الجانب الأمريكي، وهو في الحقيقة تحذير وتنبيه مبني على وقائع كما أعتقد، ويشاطره في الرأي طيف واسع من السوريين، وتكمن واقعية هذا التحذير في عدة وقائع:

أولاً: التجربة التاريخية المرة، ولا أخلاقية الدور الأمريكي في هذا الجانب، وفي بقاع عديدة من العالم.

ثانياً: عندما تعجز واشنطن عن إيصال التقسيم إلى نهاياته لهذا السبب أو ذاك، فإنها تعمل على الإبقاء على حالة اللاحل، مما يؤدي إلى تحقيق الحد الأدنى من التقسيم، أي الفوضى، وفي الفوضى لا ينتصر أحد،

لا بل أكثر من ذلك، فإنّ من يخسر هو صاحب الورقة الأضعف في التوازنات القائمة، وليس سراً في هذا السياق أن المبعوث الأمريكي صرح علناً بأن مهمته تحويل سورية إلى مستنقع لروسيا، وأظن أن المتابع لا يحتاج إلى كثير من الذكاء حتى يكتشف تبعات ذلك على سورية والسوريين.

ثالثاً: ليس من العقلانية في شيء، من وجهة نظر مشروع الإدارة الذاتية نفسه، أن يضع السيد ألدار نفسه في مواجهة طرف كروسيا، له ما له من ثقل في الميدان الدولي عموماً، والسوري خصوصاً، بغض النظر عن الموقف العام من هذا الطرف، ناهيك عن أن هذا الطرف هو الوحيد والأول من القوى الدولية الذي يجاهر، ويعلن موقفه الصريح من كل القضايا السورية ومنذ البداية، بما فيها تمثيل الإدارة الذاتية في مفاوضات الحل السياسي، وعن ضرورة مراعاة التعدد القومي في بناء سورية الجديدة، وأبقى على خطوط التواصل مع كل القوى السورية حتى تلك التي تعاديه، ليستطيع القيام بدور الوسيط، دون أن يبيع أحداً أوهاماً، أو يورط أحداً، أو يبتز أحداً بأحد، أو يدفع أحداً إلى مآزق كما فعلت واشنطن مع كل القوى التي راهنت عليها منذ الـ 2011. وبإمكان أيٍ كان، أن يستذكر عدد المرات التي أوهم الأمريكي من راهن عليه من السوريين، وكيف دفعه من مأزق إلى مأزق.

thumb_64125_700_400_0_0_exact

 التدويل ليس حلاً

 أحد أكبر أخطاء الإدارة الذاتية فيما نعتقد، هو طبيعة ونوعية الانخراط في عملية التجاذب الدولي والإقليمي حول المسألة السورية عموماً، والكردية خصوصاً؛ حيث تشكل المقالة قيد النقاش نموذجاً ملموساً لهذا الخطأ واستمراراً له. ليس ذلك فحسب، بل السير أيضاً على حواف التجاذب الداخلي الأمريكي نفسه، في ظل الانقسام الذي تعاني منه الإدارة الأمريكية حول العديد من الملفات الدولية، ومنها المسألة السورية، خصوصاً وأن كل ذلك يجري في ظل توازن قلق وهش، اتجاهه العام ليس لصالح الأمريكي، ومن الممكن أن تتبدل فيه المحاور والاصطفافات في أية لحظة.

إن الرهان على الطرف الأمريكي في ظل الاستقطاب الدولي الحاد، والانقسام الداخلي الأمريكي الذي لا يقل عنه حدة، هو سير في حقل ألغام، رأينا فصله الأول في عفرين ورأس العين بالذات، واللتين يجري تحميل مسؤوليتهما دون أدنى وجه حق للروسي، في تناقض كامل مع الحقائق التي يعرفها السيد ألدار جيداً!

ناهيك عن الغياب العجيب لأي إشارة إلى الدور الأمريكي الواضح والمفضوح جداً في فتح الباب لاحتلال تركيا لكل من تل أبيض ورأس العين ومئات القرى والنواحي في الشمال الشرقي السوري ضمن عمليتها العسكرية التي سمّتها «نبع السلام» والتي انطلقت بتاريخ 9 تشرين الأول 2019، بعد أقل من ثلاثة أيام من انسحاب «مفاجئ» للقوات الأمريكية من تلك المناطق... وهي العملية التي كان يمكن لها أن تمتد لاحتلال مناطق أوسع بكثير لولا الاتفاق الروسي التركي بتاريخ 15 تشرين الأول والذي أوقف العملية عند الحدود التي كانت قد وصلتها.

102019773735664

 

من جلب الامريكي؟

 ليست قوات سورية الديمقراطية هي من جلبت الأمريكي إلى سورية، ومن يدّعي ذلك يجانب الصواب. المشكلة ليست هنا، بل المشكلة هي في أوهام الرهان على الوجود الأمريكي أثناء رسم السياسات والرؤى، المشكلة في الظن بأن الوجود الأمريكي مستمر وأبدي، المشكلة في التفاعل الإيجابي الذي ينتهجه البعض مع الاستثمار الأمريكي في الأزمة السورية، رغم أن مثل هذا الوهم يضع مشروع الإدارة الذاتية والمسألة الكردية على الفور، أمام ثلاثة تحديات خطيرة:

الأول: هو العلاقة مع شركاء المكان؛ فالاعتماد على الأمريكي يخلق رد فعل سلبي عام، يتجاوز «النخب» السورية في النظام والمعارضة، ليصل إلى الرأي العام الشعبي. ولعل أكثر ما يفسر أهمية هذا الجانب، هو اتكاء الشوفينية، الرسمية منها والمعارضة، عليها خلال العقود الماضية، في تشويه المسألة الكردية، وتأليب الرأي العام ضد الكرد، أي عكس ما يتطلبه مشروع (الأمة الديمقراطية) العابرة لما هو قومي وطائفي وديني.

الثاني: تأليب دول الجوار الإقليمي، مجتمعة وفرادى.

الثالث: إخضاع المسألة السورية عموماً، والكردية منها خصوصاً إلى براغماتية، ولا أخلاقية الدور الأمريكي.

ومن نافل القول، إن جملة الملاحظات آنفة الذكر، لا تلغي بأي شكل من الاشكال عدة حقائق تتعلق بتجربة الإدارة الذاتية، ومنها:

- الدور البارز الذي لعبه هذا التيار في مواجهة الإرهاب والتطرف، والتضحيات الكبرى التي قدمها في هذا المجال.

- إن هذا المشروع يعتبر أحد الحوامل المادية للمسألة الكردية، التي تستوجب فعلاً حلاً وطنياً - ديمقرطياً في إطار بناء سورية الجديدة.

- إمكانية الاستفادة من هذه التجربة، من جهة تأمين هياكل السلطة الشعبية في المناطق، بعد نفض السلبيات غير القليلة عنها.

إن الخطر على وحدة سورية، الذي بدأ بسبب تلك المواقف التي تبناها متشددو أطراف الصراع في النظام والمعارضة، واستمر مع ارتفاع منسوب التدخل الخارجي، وازداد طرداً مع زيادة هذا التدخل، يتأتى اليوم بالدرجة الأولى من ذلك الطرف الذي عمل منذ اليوم الأول بمنطق إدارة الأزمة، والإبقاء على حالة اللاحل، واستدرج الجميع إلى ملعب العنف، وغض النظر عن تنامي ظاهرة الإرهاب، وقدومه إلى سورية، ثم استغل وجودها للتدخل العسكري المباشر، واليوم يعلن صراحة، أنه يريد (تحويل سورية إلى مستنقع) في صراعاته الدولية، بغية استنزاف خصومه من القوى الصاعدة، طالما أنه لم يعد قادراً في ظل تراجعه على حسم الموقف لصالحه. 

بقي أن نؤكد مجدداً ونقول، ليس مفيداً لا من وجهة نظر المصالح الوطنية السورية العامة، ولا من جهة حل المسألة الكردية في سورية، أن يتموضع الأستاذ ألدار في الموقع الخاطئ ضمن الاستقطاب الدولي والاقليمي الحاد، فالمطلوب على الأقل هو الحياد، طالما أن المشكلة هي بالأصل بين السوريين. وإن استعادتها إلى السوريين هي شرط لا غنى عنه للوصول إلى الحل. أما الظن بأن المزيد من التدويل سيؤدي إلى الحل، فهو ظن خاطئ بكل تأكيد. وفي هذا الإطار فإن عدم الثقة بالنظام، والقلق من الدور التركي العدواني، وحتى التشكيك بروسيا، ربما يكون (مبرراً) للسيد الدار، طالما أنه ينطلق من الخاص إلى العام في قراءة الأزمة السورية، ولكن المشكلة أن النتيجة الواقعية لمثل هذه الرؤية تؤدي إلى عزلة مشروعه سورياً وإقليمياً ودولياً، وتفضي موضوعياً إلى الثقة بطرف وحيد وهو الأمريكي، وهذا ما تقوله مقالة الأستاذ ألدار في ما بين سطورها تماماً، رغم أن الأمريكي أثبت وبالتجربة الملموسة ولأكثر من مرة، بأن الورقة الكردية بالنسبة له، مجرد ورقة ضغط يستخدمها متى يشاء، بغض النظر عن النتائج على المستوى السوري العام، وعلى المستوى الكردي. 

وما يجدر التذكير به في هذا السياق، أن استدعاء التدخل الخارجي والتعويل عليه، من قبل بعض أطراف المعارضة السورية، بمثابة (ورقة يا نصيب) رابحة بالنسبة لمتشددي النظام، إذ حوّلَ مسار الأحداث كلياً، من حيث هي حركة احتجاجية سلمية، إلى أزمة مركبة. واليوم فإن الدعوة إلى استبقاء الأمريكي صراحة، أو مواربة، ستؤدي الوظيفة ذاتها، مع الإشارة إلى أن الامريكي هنا يمتلك أوراق قديمة تمت إعادة إنتاجها مؤخراً، وتمثلت في البيانات التي أصدرها بقايا الائتلاف فيما يخص الوضع في الشمال الشرقي، والتي قدمت من خلال تلك البيانات أوراق اعتمادها للأمريكي، لتصبح من جديد أدوات بوظيفة جديدة في بعض المناطق الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية.

آخر تعديل على الخميس, 15 تشرين1/أكتوير 2020 08:45