سمعة منْ... يجري «تبييضها»؟
سعد صائب سعد صائب

سمعة منْ... يجري «تبييضها»؟

حول «عمليات» سميرة المسالمة

تقول السيدة سميرة المسالمة في مقالها المنشور في موقع العربي الجديد اليوم الإثنين 27/7/2020 تحت عنوان (عن عمليات "تبييض" سمعة موسكو)، يمكن قراءة المقال عبر (الرابط): «العلاقات الروسية البينية مع الدول لا تُلتمس سياساتها من إعلامها، أو المحسوب عليها، كما لا يمكن الاعتماد على أنه ينقل لنا أسرار موقف روسيا من الأسد ونظامه وحقائق هذا الموقف».

يأتي هذا القول ضمن محاججة تدور حول فكرة هي أنّ : «التعويل على الموقف الروسي من خلال بضعة مقالات ناقدة للنظام السوري وممارساته في إعلام روسيا لا يمكن إسقاطه على حقيقة ما تريده موسكو».

وبما أنّ استجلاء الموقف الروسي غير ممكن من الإعلام الروسي كما ترى المسالمة، فربما علينا أن نستجلي ذلك الموقف من مقالات تُكتب في موقع قطرو-إسرائيلي يديره عزمي بشارة...

اللافت في المحاججة التي تقدمها المسالمة، هو الطرح الطريف الذي ينتهي إليه مقالها متمثلاً بالتساؤل التالي: «(..) ما يضع إشارات استفهام كبيرة اتجاه ذلك الصمت الذي قد يفجر حرباً فاصلة تنهي وجود إيران وأذرعها على الجبهتين، السورية واللبنانية، أهو صمت مدبّر مع الشريك الإقليمي لها إسرائيل لتحقيق غايات إسرائيلية في إبعاد إيران من المنطقة؟ أم هو رهان على الصمت لتحقيق مصالح تفرّدها في سورية، من دون أن تخسر توازن علاقتها مع إيران وأذرعها؟»

كذب وهشاشة

اللافت أكثر، هو اضطرارها لاختلاق أكاذيب وتغطية حقائق للوصول إلى التساؤل آنف الذكر؛ إذ تضع نفسها في موقع شديد الهشاشة حين تكذب بشكل علني حول الموقف الروسي سواء من الضربات الجوية الصهيونية أو من مسألة الجولان السوري المحتل؛ فتدعي تارة أنّ روسيا صامتة (صمتاً مريباً) عن ضربات «إسرائيل» في سورية، وتارة أخرى أنّ روسيا «تبرر» ضربات «إسرائيل»!

ربما اختلطت الأمور لسبب ما على السيدة المسالمة، فخلطت بين الموقف الأمريكي الذي لم تتكلف عناء الإشارة إليه، وبين الموقف الروسي. للتذكير فقط فإنّ من أعلن موافقته على ضم الجولان السوري للكيان المحتل هو الرئيس الأمريكي ترامب، ومن أعلن رفضه لذلك هم الروس، إضافة لرفضهم ما يسمى صفقة القرن، ورفضهم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

ربما ينبغي التذكير أيضاً، بأنّ مجموعة أستانا بالذات، والتي تثير حساسية خاصة لدى السيدة المسالمة، تعبر عنها في مقالاتها المختلفة، هي من رفضت بشكل جماعي قرار الأمريكي والصهيوني بضم الجولان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نورد هنا نص البند الحادي عشر من البيان المشترك لقمة أستانا الثلاثية الأخيرة، والذي جاء فيه: «أكدوا (الرؤساء الثلاثة) على ضرورة احترام القرارات القانونية الدولية المعترف بها عالمياً، بما في ذلك أحكام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة الرافض لاحتلال الجولان السوري، وأولاً وقبل كل شيء قرار مجلس الأمن رقم 497 وبالتالي إدانة قرار الإدارة الأمريكية حول الجولان السوري المحتل، والذي يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي ويهدد السلام والأمن الإقليميين. واعتبروا الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سورية مزعزعة للاستقرار وتنتهك سيادة ووحدة أراضي هذا البلد وتزيد من حدة التوتر في المنطقة».

وعلى سبيل المثال أيضاً، نورد تصريح المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي 23 من الجاري الذي قال فيه: «ندعو إسرائيل مرة أخرى إلى وقف الضربات الجوية على الأراضي السورية، ووقف الاحتلال الأجنبي لسورية، وكذلك وقف محاولاتها تمزيق سورية إرباً، ومحاولاتها تثبيت خطوط تقسيم اصطناعية».

ظواهر مدهشة

أوركسترا عجيبة بتنوعها، تلك التي تعزف على وتر افتعال الفتن بين ثلاثي أستانا، بالتوازي مع الموافقة الضمنية أو العلنية على سلوك المجموعة المصغرة بما فيها عقوباتها على الشعب السوري (بتتبع الرابط يمكن قراءة الموقف الإيجابي للمسالمة من العقوبات) ولاورقتها التقسيمية (بتتبع الرابط يمكن قراءة مديح المسالمة للاورقة الأمريكية)، إضافة لغض النظر عن مواقف الولايات المتحدة المعادية لمجمل الشعب السوري والمناصرة حتى النهاية لكيان الاحتلال، بالضد تماماً من مواقفها «المبدئية الثابتة» ما قبل 2011 والتي سنشير إليها لاحقاً.

نقول إنّ أوركسترا عجيبة التنوع، تلك التي تتوافق في جوهر مواقفها من المسألة السورية؛ أوركسترا تمر من الكيان المحتل مروراً بمتشددين في النظام ومتشددين في المعارضة، وليس انتهاءً بالتصريحات والمواقف الغربية والأمريكية خصوصاً... وهو ما يرسم لنا لوحة لرافضي التغيير في سورية، وأصحاب المصلحة في استمرار الحرب، وعلى الخصوص منهم أولئك الذين يرون أنّ «أي تعويلٍ على قرارات دولية في حل قضية السوريين مع نظام الأسد يساوي تماماً قوة الصفر» كما تقول المسالمة في إحدى مقالاتها، بما يعني ضمناً القرار 2254، وبما يضعها في صف واحد مع «المدافعين عن السيادة الوطنية» ضد القرار 2254.

كلمة حول «المبادئ»

السيدة المسالمة، وأسوة بشخصيات عديدة، وبقدرة قادر، انتقلت من اصطفاف متجذر في صف السلطة، شغل القسط الأكبر من حياتها، إلى موقع المعارض «الشرس».

على سبيل التذكير فقط، والأمثلة لا تحصى، يمكن لمن لديه وقت فائض أن يراجع لقاء السيدة المسالمة مع صحيفة القدس العربي بتاريخ 8/11/2010 تحت عنوان «سميرة المسالمة: لا وجود للخطوط الحمراء إلا بما يمس أمن البلد وسلامة المجتمع» أيام كانت رئيسة لتحرير صحيفة تشرين.

ولمن ليس لديه فائض وقت، نكتفي ببضعة اقتباسات هي التالية: «أنا أمارس حرية إعلامية حقيقية داخل مؤسستي». «إن البعض يعتقد أننا نتلقى توجيهات من جهة معينة في سورية ونكتب بناء على هذه التوجيهات. أنهى السيد الرئيس بشار الأسد عندما جاء هذه الحالة، عندما قال (إن من يمثل الرأي الرسمي هو المتحدث الرسمي باسم القصر، وليس الإعلام)». «أنا أعبر عن سياسة الجريدة التي تتوافق مع سياستي أصلاً، تتوافق مع مبادئي أصلاً. لا يمكن أن تكوني رئيسة تحرير لصحيفة لا تتوافق مع مبادئك»...

ويمكننا في اللقاء نفسه، أن نقرأ ما هي «مبادئ» السيدة المسالمة، ويمكننا أيضاً أن نقرأ «مبادئها» في المقال الذي نشرته اليوم، ولكن بالتأكيد يصعب علينا أن نعلم أي «مبادئ» بالضبط تلك التي تحكم أقوالها ومواقفها ومقالاتها...