هل هنالك مؤتمر قريب في دمشق؟!
انشغلت مجموعة من المنابر الإعلامية خلال الأسبوع الفائت، وحتى الآن، وربما لأيام وأسابيع قادمة، بالحديث عن تحضيرات لإنعقاد مؤتمر للمعارضة السورية في دمشق "بدعم روسي وبموافقة الحكومة السورية".
واختلطت هذه "الأحاديث والدعوات"، أو جرى خلطها، بأحاديث عن مؤتمر وطني باسم "دمشق1" يضم جميع الأطراف بين "معارضة وحكومة". في محاولة لترتيب الأمور، فليس جديداً الحديث عن "دمشق 1" وكذلك عن مؤتمر للمعارضة يعقد في دمشق أو غيرها، فهذا الحديث يعود زمنياً لأكثر من سنتين. ولكن "الحملة" الإعلامية والسياسية الجديدة (التي اختلط فيها الأمران)، يعود تأريخها إلى بضعة دعوات أطلقها قبل حوالي الشهر كل من السيد إليان مسعد والسيدة دعد قنوع (وهما من معارضة الداخل حسب التصنيفات الرائجة في الإعلام).
ولكن الحديث بقي غير مسموع حتى دخل السيد حسن عبد العظيم (المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية) على الخط بتصريحاته التي أعطاها لقناة "الميادين" الفضائية قبل أسبوع من الآن، والتي لم تتحدث عن مؤتمر وطني عام، بل عن مؤتمر للمعارضة. بعد ذلك تولى المسألة بشكل أساسي موقع "رأي اليوم" عبر رئيس تحريره عبد الباري عطوان، وعبر الصحفي كمال خلف، وذلك في سلسلة مقالات حول الموضوع. مما أثار اللغط والالتباس، جملة تصريحات نفى أصحابها معرفتهم أو مشاركتهم في التحضيرات لمؤتمر للمعارضة. بين من أصدروا بيانات نفي رسمية: معاذ الخطيب، وقدري جميل، وأحمد الجربا، وجهاد مقدسي. أي أنّ الأسماء والكتل الأساسية التي يجري الحديث عن المؤتمر انطلاقاً من اشتراكها قد نفت مثل هذا الاشتراك!
لم تتوقف المسألة عند هذا الحد، فرغم نفي هؤلاء إلا أنّ السيدين عبد الباري عطوان وكمال خلف، اعتبرا ذلك النفي مسألة خجل وخوف من مواجهة "الجماهير".. بما يعني أنّ التحضيرات مستمرة، بل وتم تأويل لقاء موغيريني (المنسقة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي) في الثامن عشر من الشهر الجاري، بكل من حسن عبد العظيم وأنس العبدة (رئيس الائتلاف) ويحيى قضماني (نائب المنسق العام لهيئة المفاوضات) في دبي، على أنّه "ربما" يكون جزءاً من التحضير لسياقات سياسية مغايرة لجنيف، بما في ذلك احتمال "دمشق 1"، فما الذي يجري حقاً؟
يمكن الاقتراب من جوهر المسألة باستعراض ما انتهت إليه مادة عبد الباري عطوان الافتتاحية يوم 19 من الشهر الجاري، حيث يقول: "إن جميع الصيغ القديمة للعملية السياسية التفاوضية في غرف الإنعاش، إن لم تكن قد نفقت، وبات على المعارضات أن تراجع سياساتها ومواقفها، وتتأقلم مع الواقع الجديد، وتحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل فوات الأوان". وكعادة السيد عطوان، فقد شفع هذا الرأي بالقول: "حسب اعتقاد الكثير من المراقبين". وهذه النتيجة تكاد تكون مكررة في مادة السيد خلف الموقعة بتاريخ التاسع عشر من الجاري وفي موقع رأي اليوم أيضاً، إذ يقول: "إذا لم يعقد مؤتمر دمشق لا شيء سيتغير في مسار ما يجري".
تلك هي المسألة على ما يبدو: "المراقبون" إياهم، يرون أن الوقت قد حان لكي تخفض المعارضة مطالبها، ولكي تجد حلاً للأزمة بعيداً عن جنيف وعن القرار 2254، الذي لاشك أنّه لا يروق لكثيرين.
يمكن الاستشهاد أيضاً بما قاله المعارض السوري محمد سيد رصاص في مقاله الأخير في "الأخبار"، والذي أعلن فيه بشكل جنائزي فشل ما أسماه "الخط الثالث"، والمقصود به هيئة التنسيق ومن في فلكها، ذاهباً إلى أنّ حظوظ تحقيق القرار الدولي 2254 باتت ضعيفة وربما معدومة.
بكلام آخر، يبدو أن هدف الضغط المحموم ليس عقد مؤتمر في دمشق، سواء كان للمعارضة أو كان وطنياً عاماً، فعلى الأغلب أنّه لن يعقد، كحال "الدمشقيات" التي سبقته، وذلك بالمناسبة رأي السيد عبد الباري عطوان أيضاً، وإنما الهدف هو اقتناص لحظة الفراغ الأمريكي بين إدارتين، التي تتوازى مع تقدم عسكري للجيش السوري ضد الإرهاب، للوصول إلى مسألتين: الأولى، تخفيض سقف مطالب المعارضة السورية، (وتحديداً تلك الأجزاء منها البعيدة عن الائتلاف، فهذا الأخير بات يلفظ أنفاسه الأخيرة). والثانية هي زيادة تشتيت المعارضة السورية وضربها ببعضها بعضاً.
هل ستنجح هذه المساعي؟ وهل سيتمكن الواقفون في كواليسها من وأد القرار الدولي ووأد مؤتمر جنيف؟ (وهو هدف لا يجرؤ أحد على إعلانه، فحجر العثرة الأكبر في وجهه هو بحجم روسيا)، لننتظر ولنر..!
الكثير مما سبق سرده يدخل في إطار التطلعات الغربية لإيجاد مخرج من المستنقع السياسي السوري بغض النظر عن النتائج التي سوف تظهر كنتيجة طبيعية في ظروف غير طبيعية، إلا أن رغبة الشعب السوري وبكل أسف بقيت طي الكتمان.
ولكن هل يعتقد ويؤمن من دعا الى مثل هذه المبادرة بأن معارضات الخارج سيتم حصولها على اعتراف شعبي بوزنها السياسي في الداخل السوري؟
ويبقى السؤال مرهوناً بموافقة المنصات المختلفة التي جاء على ذكرها قرار مجلس الامن " 2254"، على إيجاد أرضية مشتركة من شأنها إنجاح أي مؤتمر مزمع عقده حسب الرؤى المطروحة من مختلف الأطراف سواء أكانت مع أم ضد، في ظل الخلافات الجوهرية الإيديولوجية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بين جميع هذه المنصات، بغض النظر عن الأجندات التي تحكم كل منصة. يبقى في المخيلة أن هذا العرض يعتبر طوق النجاة الوحيد والمكافأة التي يستطيع الغرب تقديمها لتلك المكونات، التي وقفت معه لأكثر من خمس سنوات خلت. الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات.
المصدر: سبوتنيك