بصراحة .. إلى متى السماحُ بتغوُّل الفقر والجوع على شعبنا؟

بصراحة .. إلى متى السماحُ بتغوُّل الفقر والجوع على شعبنا؟

من المؤكَّد أنَّ فرصَ العمل والأجور من أكثر القضايا إلحاحاً، ومن أكثر القضايا التي يجري تداولها على ألسنة من يبيعون قوّة عملهم، سواء العضلية منها أو الفكرية. فهنا لا فرق بين الاثنتين من حيث النتيجة النهائية، وهي ضرورة تحسين الوضع المعيشي، تحسيناً يتناسب مع غلاء الأسعار التي تقفز الآن قفزات متسارعة لا يمكن للأجور الحالية إدراكها، أو الوصول إلى حاله قريبة منها، مما يعني استمرار الحال على ما هو عليه من بؤس وحرمان للعاملين بأجر، ما يعني تعزيز انقسام المجتمع إلى فريقين أساسيين ناهبين ومنهوبين، يجري الصراع بينهما.

الفريق الأول مسلَّحٌ بكل الوسائل الضرورية التي تجعله مستمرّاً في تسلّطه واستغلاله، والفريق الآخَر مجرَّدٌ من وسائل تحقيق إمكانيّاته ومكبَّلةٌ طاقاته، والتي لا تجعله قادراً على الدفاع عن حقّه في الحياة، وحقّه في وطنه الذي يبنيه بعرقه ودمه، هذا الوطن الذي يعيش فيه بغربة، وكأنه مهاجر بين حدوده الجغرافية.
ويمكن أن نرى نموذجاً من صور معيشة بعض الناس، الذين أوصلتهم الأزمة ومن ضمنها السياسات الاقتصادية والاجتماعية إلى هذا الدرك من الضنك.
أبو عمر عامل يقوم بإعالة ستة أطفال، أربعة منهم أطفاله ومن تبقى هم أطفال أخيه الذي فُقد في الأزمة ولم يظهر حتى هذه اللّحظة، ويبدو أنّه لن يظهر.
أبو عمر يعمل حسب الطلب، فهو ينقل الرمل إلى الشقق في البنايات التي يجري أكساؤها، وينقل ما تيسَّر له من حمولات مختلفة، وهو يعيش كفاف يومه، فقد تحدّثنا طويلاً عن الظروف التي عاشها في الأزمة، مع أطفاله وبقية عائلته، والجوع الحقيقي الذي عاشوه في تلك الفترة العصيبة، واستمرت حالة الجوع تلك ولكن بأشكال أخرى، فهو يأكل وأطفاله ومن يعيلهم عندما يأتي من يطلبه للعمل، وهو عمل مؤقت ينتهي بانتهاء الطلبية. وهذا المواطن أبو عمر ليس الوحيد الذي يعيش بهذه الطريقة وهذا الشكل، بل في المنطقة التي رأيته بها عشراتُ الأفراد، ومنهم أطفال، وكذلك نساء يبحثن عمّا تبقى من الخضار في السوق لإطعام من يردْن إطعامه.
هذه أحوال بعض الناس من شعبنا الذين يشاهَدون في كل الأماكن، في الطرقات والحارات، يبحثون عن شيء ما يسدّ رمقهم ويسكتون به جوع أطفالهم الذين مثلهم يبحثون عن عمل.
لا نعتقد، وهو اعتقاد جازم، أنّ حكومة تصريف الأعمال أو الحكومة الانتقالية، قد أدخلت في حسبانها أوضاعَ الفقراء من شعبنا، الذين يكتوون بنار الفقر والجوع والعوز، فسلوكها وسياساتها الفعليّة حتى الآن، ناهيك عن بعض الخطابات التي أدلت بها، تقول للفقراء، ومنهم أصحاب الأجور: اذهبوا وتدبروا أموركم. وكأنّ المطلوبَ هو أنْ يرتضي كلُّ الفقراء بأنْ ليس لدى الحكومة حلولٌ لجوعهم، وليس لدى الحكومة طُرُقٌ تخفِّف بها آلامَهم، بذريعةِ أنّها منشغلة في قضايا أخرى، ولكن هذا الأمر كما يقال أملُ إبليس في الجنّة، وللفقراء من شعبنا نقول: لا يحكُّ جلدَك سوى ظفرك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221