د.أسامة دليقان
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
انتشرت في الآونة الأخيرة حملة قانونية وإعلامية من الدعاوى القضائية داخل الولايات المتحدة ضد شركة «أوبن إيه آي» OpenAI تتّهم برنامج الدردشة بالذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي» ChatGPT التابع لها بأنّه يشجّع مستخدمين ضعفاء على الانتحار. تثير هذه القصة عدة أسئلة وفرضيات. فما هي المعلومات المتوفّرة حول القضية، واحتمال وقوف بعض المصالح التجارية والمالية وراء الحملة؟ وما مكانها في النقاش حول مساءلة شركات التكنولوجيا حول جودة الخدمة ومعايير سلامة الأفراد والمجتمع؟ أم أنّ التكنولوجيا في الرأسمالية التي تزداد تأزماً وإجراماً بحق البشرية ومستقبلها، تجعل حتى أذكى الاختراعات فاضحاً لإخفاقاتها المجتمعية الأعمق، حيث يجب ألّا تضلّلنا قصة هذه الدعاوى مهما كان الجزء الحقيقي منها، عن أنّ الانتحار في نهاية المطاف مرضٌ اجتماعي بالدرجة الأولى وأسبابه المعاصرة العميقة تكمن في الفشل الاقتصادي-الاجتماعي والأخلاقي والاغتراب والتوحُّش المتزايد للرأسمالية كمنظومة تعاني من تعفُّنٍ مزمن.
أثبت أكثر من قرن ونصف منذ نشر كتاب «رأس المال» صحة نظريات ماركس حول الأزمات الاقتصادية. فالرأسمالية تُنتج الأزمات حتى وهي تُولّد الرخاء، فتنفجر بشكل انهيار اقتصادي أو حرب، ممّا يُؤدي إلى ثورات اجتماعية جديدة ودورة اقتصادية جديدة. وتمر هذه الدورة التاريخية من «الازدهار إلى الأزمة» بخمس مراحل، بحسب يو جيانغ من مركز البحوث التنموية في مجلس الدولة الصيني.
تشهد «إسرائيل» موجة غير مسبوقة من الهجرة العكسية ما تزال مستمرّة حتى اليوم بتسارع خاص منذ حرب السابع من أكتوبر 2023 على غزة. حيث يغادرها آلاف المستوطنين متجهين إلى الخارج. وهي ظاهرة لم تعد مجرد مؤشر على أزمة اجتماعية عابرة، بل تحولت إلى تهديد استراتيجي حقيقي للكيان الصهيوني، في ظل تراكم الإخفاقات الأمنية والسياسية والعواقب الاقتصادية، وتراجع المكانة الدولية للكيان الذي يعاني من انفضاح غير مسبوق لجرائمه وتضامنٍ تاريخي غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
«الصين نجحت لأنّ الماركسية نجحت». هذا ما يشدّد عليه الدكتور يو جيانغ من مركز البحوث التنموية التابع لمجلس الدولة الصيني، وذلك في مقدمة كتابه «عالَمٌ جديد ممكن، تحديث الصين»، الصادر بالصينية عام 2020 بدعم من مبادرة الحزام والطريق، والذي صدرت ترجمته الإنكليزية عام 2023. فيما يلي نستعرض أبرز ما كتبه المؤلِّف في الفصل الثامن من كتابه تحت فقرة «البشرية ما زالت تعيش في ظلّ القوانين التي اكتشفها ماركس».
أَولى ماركس اهتماماً خاصّاً لدَور المعرفة البشرية في تحويل علاقات الإنتاج الاجتماعية. واعتبر تطور المعرفة المتجسدة في العمليات التكنولوجية مؤشراً على درجة «سيطرة العقل العام على ظروف عملية الحياة الاجتماعية نفسها وإعادة صياغتها وفقاً له» (الغروندريسّة؛ مخطوطات ماركس الاقتصادية 1857–1858). لكنَّ الأمر لا يقتصر على تكنولوجيات الإنتاج المباشر فحسب، بل يتعلق في نهاية المطاف بـ«الذكاء العام» للبشرية الذي يُخضِع جميع عمليات الحياة في المجتمع ويُحوِّلها بأكثر الطرق عقلانية وإنسانية.
يقدّم البروفسور سيرغي بودرونوف، مدير معهد (فيتّه) للتطوير الصناعي الحديث في سان بطرسبورغ في روسيا، مصطلح (النوونومي Noonomy) كعنوان لكتابه الذي صدرت طبعته الإنكليزية عام 2024، والذي يمكننا ترجمته إلى «الإدارة الذكيّة والإنسانية للمجتمع» بوصفها النفي الديالكتيكي للإيكونومي (Economy)، أيْ نفي اقتصاد «مَملكة الضرورة« بحسب استعارة مؤلِّف الكتاب للوصف الذي أطلقه إنجلس على المجتمع البشري ما قبل الشيوعية.
في تطور تجاري كبير في ظل التوترات العالمية، وكمؤشر على زيادة التقارب بين قوى الشرق الصاعدة، بما فيها التنين الصيني والفيل الهندي، أزالت الصين جميع رسومها الجمركية على واردات الأدوية الهندية، وذلك في توقيت حاسم جاء مباشرة بعد إعلان الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية تصل إلى 100% على واردات الأدوية.
إنّ الواقع الفيزيولوجي لجسم الإنسان يفرض أنّه لا مناص من مشاركة الدماغ البشري كأساس في الجهاز العصبي المركزي في تنشيط العضلات البشرية وتنظيم أدائها وضبطه وإتقانه، لذلك فإنّ أيّ عمل يُنفَّذ باستخدام العضلات البشرية يُنفذ أيضاً باستخدام الدماغ البشري، ومع ذلك هذا لا يلغي التمييز الكيفي الهامّ بين نوعين من العمل البشري: العمل الذهني والعمل العضلي. فعلى أيّ أساس نميّز بينهما؟ ولماذا تعيد ثورة الذكاء الاصطناعي هذه المسألة إلى الواجهة بحيويّة جديدة؟
إنّ البحث والابتكار ليس ترفاً في عالَم اليوم المليء بالتحولات المصيرية والصراعات المحتدمة، والتي سيتوقّف على طريقة حلّها مصير البشرية اللاحق. ولذلك فإنّ ما تم الإعلان عنه ضمن المجال العلمي والتقني في قمة شنغهاي للتعاون المنعقدة مؤخراً في مدينة تيانجين الصينية (نهاية آب وبداية أيلول 2025)، يعكس إدراكاً متعاظماً لأهمية وضع استراتيجيات إقليمية ودولية للتنمية والأمن والتحول الرقمي، ولا سيّما في سياق يزداد فيه التنافس التكنولوجي، والضغوط البيئية، ومشكلات الصحة العامة، وغيرها من التحدّيات.
بينما تواصل الصين تعزيز موقعها المهيمن في ملفّ المعادن النادرة الاستراتيجي، ظهرت الأسبوع الماضي عدة أنباء تستحق التوقف عندها لما تعطيه من مؤشرٍ لتفاقُم نزعة محدَّدة عالمياً يمكننا وصفها كالآتي: بينما تزداد مبادرات عدة دول آسيوية لاستخراج المزيد من العناصر الأرضية النادرة من مواردها الطبيعية، يبدو أنّ الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية) يضطر أكثر فأكثر إلى إعادة تدوير هذه العناصر من الأجهزة الإلكترونية المُصنّعة، وإيقاف أو تأجيل الكثير من عمليات الإنتاج في عدة مجالات، وهذا يعكس أزمة انحطاط غربي في الصناعة والابتكار ناتجة بالعمق عن الإدمان الاستعماري المزمن على نهب الآخرين.