ورقة المعادن النادرة في مفاوضات الصين مع أمريكا تجارياً
في الآونة الأخيرة، طالب مسؤولون صينيون بمراجعة قرارات أمريكية سابقة، بعضها يعود إلى عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، والتي فرضت قيوداً على التجارة مع الصين، بما في ذلك رسوم جمركية مرتفعة وقيود على تصدير التكنولوجيا. ووفقاً لتقارير، استخدمت الصين المعادن النادرة كورقة ضغط في المفاوضات التجارية الجارية، حيث هددت بتشديد القيود على تصدير هذه المواد الحيوية إلى الولايات المتحدة.
في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تبرز المعادن النادرة كإحدى أبرز الأوراق الاستراتيجية التي تستخدمها بكين للضغط على واشنطن. فهذه المعادن، التي تشمل 17 عنصراً كيميائياً مثل الديسبروسيوم والإيتريوم، تُعدّ مكونات أساسية في صناعات حيوية كالسيارات الكهربائية، وأشباه الموصلات، والطائرات، والروبوتات.
ومع سيطرة الصين على نحو 60% من الإنتاج العالمي لهذه المعادن و90% من صناعة معالجتها، أصبحت بكين تملك نفوذاً كبيراً في هذا المجال، مما يجعلها قادرة على توجيه ضربات اقتصادية مؤثرة لخصومها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة.
هذا التهديد ليس جديداً، فقد سبق لبكين أن علّقت شحنات المعادن النادرة في نيسان من العام الجاري 2025، كردّ على رسوم جمركية أمريكية وصلت إلى 145% على المنتجات الصينية، مما أثار اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية.
جولة المفاوضات هذا الشهر
الجولة الأخيرة من المفاوضات، التي عُقدت في لندن في حزيران الجاري 2025، شهدت تقدماً ملحوظاً، حيث أبدت الصين مرونة طفيفة في موقفها. وفقاً لمصادر مطلعة، وافقت بكين على استئناف إصدار تراخيص تصدير المعادن النادرة لشركات أمريكية في قطاعات السيارات والصناعات التكنولوجية، لكنها حددت مدة هذه التراخيص بستة أشهر فقط. هذا القرار يُعتبر بمثابة «هدنة مؤقتة» في الحرب التجارية، إذ يمنح الصين ورقة ضغط إضافية في حال تصاعد التوترات مجدداً. من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لتخفيف بعض القيود على تصدير التكنولوجيا إلى الصين، كجزء من المقايضة التجارية.
يُنظر إلى هذه التطورات على أنها مؤشر على تقدم في المفاوضات، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية الصراع. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعلن هذا الشهر أيضاً عن توصل البلدين إلى اتفاق إطاري، أشار إلى أن الاتفاق يتضمن تزويد الصين للولايات المتحدة بالمعادن النادرة والمواد المغناطيسية، مقابل تسهيلات أمريكية تشمل السماح للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأمريكية. ومع ذلك، أكد ترامب أن الاتفاق لا يزال يخضع للموافقة النهائية منه ومن نظيره الصيني شي جين بينغ، مما يعكس هشاشة الوضع الحالي.
الصين توظف «الهدنة» لتعزيز «ترسانتها» التكنولوجية
من الجدير بالذكر أن الصين لم تُظهر دائماً استعداداً لتقديم تنازلات كبيرة. خلال مفاوضات سابقة في جنيف في أيار 2025، توصل الطرفان إلى اتفاق مؤقت لتخفيف الرسوم الجمركية، لكن سرعان ما تلاشى التفاؤل بعد اتهامات متبادلة بانتهاك الالتزامات. واشنطن اتهمت بكين بتعطيل سلاسل الإمداد من خلال قيود التصدير، بينما ردت الصين باتهام الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة. هذه الديناميكية تعكس استراتيجية صينية طويلة الأمد تهدف إلى إطالة أمد المفاوضات، مما يتيح لبكين الوقت لبناء قدراتها الاقتصادية والصناعية، بوصفها «الترسانة» الأكثر جوهرية في ضمان استمرار صعود الصين كقوة عظمى.
المعادن النادرة ليست مجرد سلعة تجارية، بل أصبحت رمزاً للصراع الجيوسياسي بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم. تسيطر الصين على سلسلة التوريد العالمية لهذه المعادن، مما يجعل الولايات المتحدة ودولاً غربية أخرى في موقف ضعف. وفي محاولة لتقليل هذا الاعتماد، تسعى واشنطن إلى تنويع مصادرها، بما في ذلك استكشاف احتياطيات في أوكرانيا وأستراليا، لكن هذه الجهود تتطلب وقتاً واستثمارات ضخمة. في شباط 2025، أشار ترامب إلى أن أوكرانيا يمكن أن تكون مصدراً بديلاً للمعادن النادرة، في إطار استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن الاقتصادي الأمريكي.
وتعزو بعض التحليلات ميل الصين لاستخدام المهادنة وبعض الاستقرار في العلاقات التجارية مع واشنطن إلى محاولتها تدارك بعض علامات التباطؤ القطاعية في اقتصادها، خاصة في العقارات والسيارات الكهربائية. ومع ذلك، يبقى موقف الصين التفاوضي الإجمالي قوياً، حيث تملك الصين أوراقاً أقوى من الولايات المتحدة في هذا السياق. في المقابل، استعداد ترامب لتقديم تنازلات، قد يفسَّر جزئياً بتعرضه لضغوط داخلية لتحقيق ما يمكن أن يظهره كـ«انتصار تجاري»، خاصة مع اقتراب انتخابات منتصف المدة، ولكن التفسير الأعمق يكمن في أزمة التراجع المزمن في الصناعة الأمريكية واعتمادها على مدخلات حساسة تملكها الصين، كالمعادن النادرة، كميزات اقتصادية «شبه مطلقة»، إذا لم يكن من ناحية النوعية دوماً، فمن ناحية الكمية والأسعار عالمياً.
الأسواق العالمية تترقب نتائج هذه المفاوضات بحذر. فلقد شهدت حتى أسعار المعادن الأساسية تقلبات خلال حزيران الجاري، مع تراجع أسعار النحاس واستقرار أسعار الذهب، مما يعكس حالة عدم اليقين. ومع ذلك، أدى الإعلان عن الاتفاق الإطاري إلى ارتفاع طفيف في مؤشرات الأسهم الأمريكية، مما يشير إلى تفاؤل حذر بين المستثمرين. ومع ذلك، تستمر المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، حتى لو تحقق تقدم مؤقت في قضية المعادن النادرة.