عصام حوج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
هامش أول / الزمن لم يكن يوماً ما عنصراً حيادياً في المعادلات السياسية ولن يكون، وخصوصاً في ظل الإيقاع المتسارع للأحداث، بل كان وما زال تأخر حل الأزمة سبباً لظهور عناصر طارئة، وغريبة، أستطاعت أن تحدث تغيراً نوعياً وكمياً في العناصر كلها، الحل الصحيح للمعادلة يكمن في العودة إلى الجذر إلى طبيعة وشكل العلاقة بين العناصر الداخلية في البنية المأزومة وتوفير الأداة المناسبة لحل التناقضات، وذلك وحده كفيل بطرد ما هو طارىء، وغريب «التطرف» مثلاً
تتحفنا وسائل الإعلام باستمرار بخرائط جديدة، حيث ستزول دول، وتظهر كيانات أخرى، أو ربما تحل محلها الـ«لا دولة»..!
هكذا وببساطة، ترسم مكاتب «الهندسة السياسية» الخرائط كما يحلو لها، وتنشرها على الملأ دون حرج، وكأن هذه الأوطان مجرد جغرافيا وخرائط مرسومة على الورق، وكأن البشر هنا بيادق على رقعة شطرنج، أو هوامش في صفحات التاريخ، أو بدائيون، قبائل وأديان وطوائف لايمكن أن تكون معاً ..
يعتبر علم الاجتماع عموماً، والحقل السياسي منه على وجه التحديد في أحد جوانبه، أداة التمكن لقراءة اتجاه التطور الحقيقي والاستناد إلى ذلك في صياغة البرامج ووضع السياسات، وتوفير الأدوات الكفيلة للوصول إلى ما يجب الوصول إليه، وعدا عن ذلك فإن السياسة تكف عن كونها علماً، وتتحول إلى مجرد أداة تضليل وتلاعب بالعقول، ويتحول الموقف السياسي إلى مجرد وسيلة للتحكم بمصير الناس، وفي أحسن الأحوال مجرد نوايا طيبة يعجز أصحابها في التعبير عنها بالشكل الصحيح.
من لم يعش حالة السوري وهو يحاول تأمين جرة غاز، أوبيدون مازوت، أوربطة خبز، من لا يكترث بقلق المهاجرين في بواخر الموت لايستطيع أن يحدد الموقف الصحيح مما يجري، من لم يختبر نفسه في قهر الانتظار على «مواقف السرافيس» في دمشق...،
دأبت بعض وسائل الإعلام منذ بدء الأزمة على تقسيم السوريين إلى مجرد طوائف ومذاهب وقوميات وأديان بحيث يبدو بأنهم هم مجرد مجموعات بشرية على أساس هذه الانتماءات وليس أكثر من ذلك، ولم يخل المشهد من الدعوة إلى «الأخوة» وما إلى ذلك من «مواعظ» على الأسس ذاتها طبعاً؟؟!
من تجليات الأزمة في جانب علم النفس الاجتماعي تفشي ظاهرة ما يمكن تسميته بـ «جلد الذات» التي تتجلى بأشكال مختلفة، وتأخذ بعداً مجتمعياً وتاريخياً..فما نحن فيه هو «نتاج تخلفنا» و«نستحق» ما يحصل لنا، لتصل لدى البعض إلى «مازوشية» ذات محتوى سياسي تبرر استجداء الخلاص حتى من إبليس، طالما «نحن» عاجزون عن فعل شيء، وما دامت «مجتمعات متخلفة» وصولاً إلى شتم «تاريخنا الأسود» ..كذا؟!
التاريخ بما فيه من تجارب مرت بها البشرية هو«أم العلوم»، ويحدث أن يصبح حدث ما في التاريخ تحولاً، وقفزة، تختصر الزمن إذا توافقت مع التطور الموضوعي، مع رغبة البشر، ومصالحهم.
ولكن يحدث أن تُدفن الحقيقة التاريخية، أو تُوأد، أو تذبح، ويسفك دمها، خاصة عندما يتم التوثيق والتأريخ على يد الدجالين، والمشعوذيين الليبراليين، عندما يكون «فقه رأس المال» هو السائد، أي عندما تسود «ثقافة الدراكولا»!؟
بغض النظر عن تعدد المقاربات، واختلاف المواقف والمواقع، يكاد الجميع أن يكون متفقاً بأن ملحمة «عين العرب» هي فعل استثنائي، بعد أن أعادت الاعتبار لحقائق حاول كثيرون وأدها، بعد أن وضعت الجميع أمام خيارين لاثالث لهما: إما أن تكون مع الحياة أو مع الموت، مع الإنسانية أو مع التوحش، مع الجمال أو القبح؟؟
قبل تسعين عاماً كان ذكرى تأسيس الحزب الشوعي السوري، قبل تسعين صباحاً أشرقوا على هذه الأرض، جاء حُداة قافلة الضوء، يلوحون بالرايات، يمضون نحو المدى المفتوح، تقمصّوا روح سنبلة القمح، وأخضر الزيتون، و«بياض» البازلت، وعذوبة بردى والفرات، قالوا ما لم يقلهُ أحد، بشّروا بعالم بديل، عالم الإنسان المتحرر من كل قيد، قال عنهم حرّاس الظلام، وأبواق الظلّام، مجانين وكفرة، وملاحدة، ولكنّ بوحهم أصبح من المسلّمات، وما قالوه منذ الأربعينات والخمسينات باتت حقائق غير قابلة للجدل، وجزءاً
كل ما ما هو قائم على مملكة الأرض يتزعزع، يضطرب، آيل إلى السقوط، طالما أنه لا يستجيب لحاجات البشر الحقيقية، قد يطيل عمره ردحاً من الزمن، قد تكون لدية القدرة على المناورة والتكيّف، قد «يخيف» ويرعب بما لديه من توحش وسادية، قد.. وقد .. وقد.. ولكن اللحظة التاريخية الراهنة حبلى بجديد ما، فليست المرة الأولى في التاريخ التي