جدل الثقافي والسياسي!
لم ولن ينتهي الجدل حول العلاقة بين السياسي والثقافي ما دام الصراع الاجتماعي قائماً، طالما أن السياسي هو شكل الصراع وإحدى تجلياته، وباعتبار أن الثقافي هو في الأصل امتداد للسياسي لا ينفصل عنه إلا في الشكل واللغة والأدوات، وطالما انه لا يوجد حيز للحياد عندما يكون ثمة صراعاً حقيقياً، وهو ما لم يغب يوماً بغض النظر عن شدة هذا الصراع أو خفوته، وبغض النظر عن الشكل الذي يأخذه.
إشكالية العلاقة بين الثقافي والسياسي تجلت تاريخياً على أكثر من مسار، تجلت في العلاقة بين العمل الابداعي ووظيفته الاجتماعية، وفي العلاقة بين المؤسسة الرسمية والمبدع..
جانب من التشويه في العلاقة بين السياسي والثقافي ظهر بتبني مفهوم الاستقلالية الكاملة للعمل الابداعي عما هو سياسي فالقصيدة والقصة والرواية واللوحة الفنية، والأغنية، والمعزوفة الموسيقية، ليست بالضرورة أن تتضمن موقفاً ولو مضمراً وغير مباشر، فالفن للفن، و لا وظيفة اجتماعية له.
الجانب الآخر للتشويه تجلى من خلال محاولة التوظيف المباشر للعمل الإبداعي في الحقل السياسي لدرجة التماهي دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفر البعد الجمالي الذي يعتبر شرطاً لاغنى عنه في العمل الإبداعي.
ورغم أن وجهي التشويه يبدوان متناقضين في الشكل إلا أنهما يكملان بعضهما فالأول: يجرد العمل الابداعي من مبرر وجوده، والثاني: ينزع عن العمل الإبداعي أداته الأساسية «الجمالية».
الفن عموماً إحدى الحاجات الروحية للانسان، وأحد مصادر تكوينه النفسي والأخلاقي التي لاغنى عنه في تكوين الشخصية الإنسانية، وكثيرة هي الأعمال الإبداعية التي لعبت دوراً استثنائيا وبارزاً عبر التاريخ لدى مختلف الشعوب وفي مختلف الثقافات، واقترنت بأسماء رموز إبداعية أصبحت إحدى مكونات الثقافة الوطنية في هذا البلد أو ذاك.
القاسم المشترك بين تلك الاعمال الابداعية الخالدة هو الجمع بين الجمالي والمعرفي والوظيفي، وهي التي امتلكت الأدوات الفنية، والرؤى العميقة، والتي انحازت للإنسان المقهور، وأغنت عالمه الروحي، ووظفت الطاقات باتجاه تحقيق الشرط الإنساني، أي تحرير الإنسان من كل أشكال الاستلاب.