بالزاوية: خرائط ودول؟!
تتحفنا وسائل الإعلام باستمرار بخرائط جديدة، حيث ستزول دول، وتظهر كيانات أخرى، أو ربما تحل محلها الـ«لا دولة»..!
هكذا وببساطة، ترسم مكاتب «الهندسة السياسية» الخرائط كما يحلو لها، وتنشرها على الملأ دون حرج، وكأن هذه الأوطان مجرد جغرافيا وخرائط مرسومة على الورق، وكأن البشر هنا بيادق على رقعة شطرنج، أو هوامش في صفحات التاريخ، أو بدائيون، قبائل وأديان وطوائف لايمكن أن تكون معاً ..
لا مكان لدى من يرسمون الخرائط لمصالح الناس، وحقوق الناس، ورغبات الناس، ولثقافة الناس، ولذاكرتهم، وأحلامهم ولا لدمائهم التي سفكت من أجل حرية هذه الأوطان.
يتزامن تداول هذه الخرائط مع الحروب الدائرة هنا وهناك، ليستنتج المرء، أن مهندسي الحروب هم نفسهم من يرسمون الخرائط، وإن كان «العرّاب» يظهر لنا باسم باحث استراتيجي، أو مركز أبحاث، أو خبير عسكري، حيث بقليل من البحث يرى المتابع أن جميع هؤلاء خرجوا من «جحر إبليس»، من أروقة أجهزة الاستخبارات الدولية..
رغم أن بعض هذه الخرائط تصنف في خانة اللامعقول، وتبدو كفانتازيا سياسية، وقد يخال للمرء أنه أمام لوحة سريالية وهو يتأمل نماذج من هذه الخرائط، ورغم كل ذلك تُنشر ويتم الترويج لها، فما الذي يريده الإعلام من نشر هذه الخرائط؟
ليس سراً أن «المهندس الغربي» لديه مشاريع التقسيم المعلنة والمستترة، وإذا كانت الحروب والصراعات البينية أدواته لجعلها أمراً واقعاً، فإن نشر هذه الخرائط والترويج لها قبل أن تصل هذه الحروب إلى النهاية المطلوبة منها، يأتي بمثابة قصف تمهيدي على الوعي الجمعي حتى تتولف عقول الناس وأرواح الناس مع ما يرسم لها، فيصبح الحديث فيه أمرأً مألوفاً اعتيادياً، وربما تصبح رغبة لاحباً بها، بل هرباً من «المصارعة الرومانية» التي نشهدها على مسرح اللامعقول في بلدان الشرق، ليلعب الإعلام هنا لعبته المركبة، فإما استمرار طاحونة الدم، أو ما نرسمه نحن لكم من خرائط وما نريده نحن لكم من نماذج أنظمة ودول.