عصام حوج
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
لم يعد التوتر يخص بلداً أو إقليماً بعينه، فالأزمات و التوتر والعسكرة باتت ظاهرة عالمية تطال حتى أكثر المناطق استقراراً، ولم يعد هناك ما يستطيع منع ذلك، ولم يعد هناك من يستطيع أن يكون بمنأى عن العاصفة، ويضع أسواراً بينه وبين ما يجري في العالم ..
هناك ما يشبه الإجماع بين المتابعين، بأن ما بثته قنوات التلفزة عن إحراق الطيار الأردني «الكساسبة» لم يكن مجرد تصويرأحد الهواة اللذين قذفتهم الأقدار إلى حضن داعش، ولا حتى هو تصوير احترافي من المستوى العادي، بل كان فيلماً متكامل العناصر الفنية مشاهداً، وموسيقاً مرافقة، ومشاهد خلفية، وملامح وجوه، ونبرة صوت، ولوغو..
منذ بداية الأزمة، وحتى انعقاد مؤتمر موسكو، لعبت الكثير من وسائل الإعلام دوراً مؤثراً في تعقيد الوضع المعقد أصلاً، وقد كان وما يزال الشغل الشاغل لها، التشويش على كل جهد خيّر، عبر إبراز ما هو إشكالي حصراً دون غيره، وعبر التركيز على ما هو مختلف عليه بالحد الأقصى، وعبر طرح ما يستفز هذا الطرف أو ذاك، ويزيد من تخندقه، وعبر محاولة تضخيم دور جهة ما، وتقزيم وزن جهة أخرى، وأخيراًعبر تجاهل ما يمكن أن يكون أمراً جامعاً..
1
الحوار شكل من أشكال الصراع، وحتى يكون صراعاً مجدياً وحقيقياً يجب أن يكون صراعاً على أساس البرامج والمواقف السياسية، وطالما كان تغيير اتجاه الصراع نحو الشكل الديني أو المذهبي أو العرقي أداةً لقوى الاستغلال حتى تحقق مصالحها الطبقية، ورغم كل البروباغندا الإعلامية عن الصراعات على هذه الأسس المشوهة، فإن أية محاولات لجعل التفتيت والتقسيم أمرأ واقعاً، لاتعني إلا المزيد من سفك الدماء، وهي تحايل على التاريخ والجغرافيا فشعوب هذه المنطقة كانت عبر التاريخ تنتمي إلى فضاء سياسي وثقافي واقتصادي واحد، وحسب التجربة التاريخية لايمكن لأي منها أن يحصل على حق من حقوقه بمعزل عن الآخر.
من الأمراض المزمنة التي تعاني منها بعض النخب الثقافية والسياسية السورية المعارضة، داء الـ«أنا» المتورمة، داء الذاتية المفرطة، حيث تعتبر الذات المريضة نفسها محور الحدث، فاللقاءات لن تكون ناجحة إذا لم ينظمها هو حصراً، أو على الأقل إذا لم يتصدرها هو، باعتباره الوحيد الضامن، والمؤتمن غير المشكوك في نزاهته ومصداقيته، وهو الوحيد الذي من حقه أن يمنح الشرعية لهذه الجهة المعارضة أو تلك أو يحرمها منه، حتى يكاد أن يردد معزوفة «الممثل الشرعي والوحيد»..
مرة أخرى تكشف الماكينة الإعلامية عن بؤسها وسطحيتها في سياق تناول الحدث الفرنسي، بضخ مزيد من الدجل والتزييف. أغلب القراءات التي حاولت مقاربة حدث الاقتحام والاغتيال في مقر صحيفة « شارلي ابيدو» الفرنسية، دارت ضمن تلك الحلقة المفرغة التي تصور الأمر وكأنه صراع بين العلمانية والتدين، بين التخلف والحداثة، بين ثقافة وأخرى.. وغيرها من مفردات الاستهلاك الإعلامي التي تساهم في التغطية على جوهر الصراع الدائر، في أسبابه العميقة، في أدواته المتعددة التي تبدو أنها متناقضة ولكنها تخدم الهدف ذاته..
قيل الكثير في سنوات الأزمة، و كثير من الحبر لوث بياض الورق، و دخل كل شيء في بازار المماحكة والسفسطة الإعلامية.. وخرج علينا في هذه السنوات نسق من كتاب الزوايا والأعمدة، واليوميات، وإعداد البرامج، وصفحات التواصل،
لم ولن ينتهي الجدل حول العلاقة بين السياسي والثقافي ما دام الصراع الاجتماعي قائماً، طالما أن السياسي هو شكل الصراع وإحدى تجلياته، وباعتبار أن الثقافي هو في الأصل امتداد للسياسي لا ينفصل عنه إلا في الشكل واللغة والأدوات، وطالما انه لا يوجد حيز للحياد عندما يكون ثمة صراعاً حقيقياً، وهو ما لم يغب يوماً بغض النظر عن شدة هذا الصراع أو خفوته، وبغض النظر عن الشكل الذي يأخذه.
هامش أول / الزمن لم يكن يوماً ما عنصراً حيادياً في المعادلات السياسية ولن يكون، وخصوصاً في ظل الإيقاع المتسارع للأحداث، بل كان وما زال تأخر حل الأزمة سبباً لظهور عناصر طارئة، وغريبة، أستطاعت أن تحدث تغيراً نوعياً وكمياً في العناصر كلها، الحل الصحيح للمعادلة يكمن في العودة إلى الجذر إلى طبيعة وشكل العلاقة بين العناصر الداخلية في البنية المأزومة وتوفير الأداة المناسبة لحل التناقضات، وذلك وحده كفيل بطرد ما هو طارىء، وغريب «التطرف» مثلاً
تتحفنا وسائل الإعلام باستمرار بخرائط جديدة، حيث ستزول دول، وتظهر كيانات أخرى، أو ربما تحل محلها الـ«لا دولة»..!
هكذا وببساطة، ترسم مكاتب «الهندسة السياسية» الخرائط كما يحلو لها، وتنشرها على الملأ دون حرج، وكأن هذه الأوطان مجرد جغرافيا وخرائط مرسومة على الورق، وكأن البشر هنا بيادق على رقعة شطرنج، أو هوامش في صفحات التاريخ، أو بدائيون، قبائل وأديان وطوائف لايمكن أن تكون معاً ..