فعل استثنائي!
بغض النظر عن تعدد المقاربات، واختلاف المواقف والمواقع، يكاد الجميع أن يكون متفقاً بأن ملحمة «عين العرب» هي فعل استثنائي، بعد أن أعادت الاعتبار لحقائق حاول كثيرون وأدها، بعد أن وضعت الجميع أمام خيارين لاثالث لهما: إما أن تكون مع الحياة أو مع الموت، مع الإنسانية أو مع التوحش، مع الجمال أو القبح؟؟
كل فعل من هذا النوع يؤسس لنمطٍ معينٍ من التفكير، أو على الأقل ينفخ الروح فيما هو إنساني، يعيد الاعتبار لمنظومة قيم محددة، بعد أن حاول من حاول دفنها، في ظل إشاعة ثقافة الاستهلاك، وسيادة الموقف اليومي، وتفشي اللاانتماء، واللاموقف، والقلق، والهواجس المشروعة وغير المشروعة..
كوباني استحضرت الحقيقة عارية كما هي، شهرتها في وجه الجميع، أطاحت بالديماغوجيا والمواربة، والالتفاف على الحقائق، وتدوير الزوايا بهدف تحويلها إلى متاهات..
عين العرب أعادت الروح إلى النزعة القومية بمعناها التقدمي التحرري المشروع، فلا تعويل على ذئب في رعاية «الخراف»، ولا استجداء أحمق لقاتل في إنقاذ الضحية، ولا أوهام في التعويل على صانع المشكلة لحلها..
«عين السوريين» قالت: أن لاتناقض بين الخصوصية القومية، والانتماء الوطني، بل قالت إنهما متكاملان يمكن لأحدهما أن يعزز الآخر، يمكن لواحد منهما أن يمد الآخر بالنسغ..
كوباني، قدمت وبالملموس، النموذج الحقيقي ليس للجم قوى الظلام فحسب، بل في ردع من صنّعها، ومن رعاها، ومن مولها، ومن غض البصر عنها حيناً، و أجبرت «قوى عظمى» على تغيير تكتيكاتها، وأدواتها، وفتحت الباب على احتمال رمي داعش في برميل القمامة.
على أسوار المدينة البطلة، لم يسقط الاتجار بالدين فحسب، بل تهاوت أيضاً يافطات الديمقراطية المزعومة، والوطنية الكسيحة والعرجاء، والبيزنس الثوري، والزعيق الليبرالي.
عين العرب أعادت إلى الذاكرة، إمكانية أن تغني وأنت في ساحة القتال،وأن تجدل مقاتلات ضفائرهن خلف المتاريس، وأن تشتاق لمن تحب وأنت تضغط على الزناد، كوباني تقول إنه ثمة حرب عادلة، حرب من أجل الحياة..
بقي أن نقول: حذارأن يدخلوا من حساب بنكي، بعد أن تساقطوا كالجراد على الأسوار، ولاسيما أن بعض «إخوة يوسف» يحاول الحنجلة على إيقاع الروك، أو يتحدث بلكنة تركية.