قصتان للعام الخامس والتسعين
في البدء كان الاجتماع الأول. في البدء كان نضال الشعب السوري قبل أي اعتبار. في تشرين الأول من عام 1924، وعشية الثورة السورية الكبرى ضدّ الاستعمار، أعلنت القافلة الأولى بدء المسير إلى الأمام.
في البدء كان الاجتماع الأول. في البدء كان نضال الشعب السوري قبل أي اعتبار. في تشرين الأول من عام 1924، وعشية الثورة السورية الكبرى ضدّ الاستعمار، أعلنت القافلة الأولى بدء المسير إلى الأمام.
الحرب «جائع» تاريخي، ومصاص دماء لا يشبع من دم الشعوب، وفأر كبير يقضم من صفحات الكتب، وتنين يحول رفوف المكتبات إلى رماد.
أفاق أهالي حي البحوري في مدينة موحسن في محافظة دير الزورعلى روائح كريهة تنبعث من الجهة الغربية من المدينة، وتصل إلى مدى 2كم تقريباً، ليتبين بسرعة أنها تنبعث من عشرات الأكياس المملوءة بطيور الدجاج النافقة لأسباب غير معروفة, وهذه الأكياس ملقاة من المدجنة القريبة في خندق تصريف مياه الاستصلاح وعلى ضفة نهر الفرات, كما أن العديد من الطيور ملقاة دون أكياس, فتقدم أحدهم بشكوى إلى مخفر الشرطة, ولكن، ودون مبرر واضح،
حكايات الفساد، أصبحت كحكايات ألف ليلة وليلة لا تنتهي .. ننام عليها، وتأتينا كوابيس في النوم، ونستيقظ كل صباحٍ على حكاية جديدة، أو جريمة جديدة، لمغتصب جديد أو قديم لأموال الدولة والشعب!!
وحكواتية الفساد، ما عادوا يصادفون العقداء والزكرتية وصرختهم الاحتجاجية: باطل!! بعد أن نابهم سهم من توزيع الغنائم في الحارة التي أصبح بابها مشرّعاً على الفساد.. فائتلفت قلوبهم.
تمتلك موحسن تاريخاً وطنياً واجتماعياً مشهوداً في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، وضد الإقطاع وتميزت بتطور الوعي السياسي التقدمي حتى أطلق عليها في الخمسينات لقب «موسكو الصغرى» إن هذا التطور الذي استبقته موحسن في خمسينات القرن العشرين أسس لتطورات لاحقة في ميادين اقتصادية وثقافية واجتماعية هامة ولكن موحسن لها همومها وشجونها التي أفرزتها الحياة وفي مقدمتها كثرة المستنقعات وتآكل مساحات جديدة من الأراضي أراض واسعة من الاستثمار الزراعي بسبب المستنقعات والتملح يؤدي حتماً إلى قلة الإنتاج، وكذلك إلحاق أضرار بمباني الفلاحين.
سبق أن تناولت قاسيون في عدد سابق شكوى الفلاحين المنتفعين من أراضي الدولة في قرية سعلو، التي تبعد عن موحسن عشرة كم تقريباً شرقاً، والتي يتجاوز فيها بعض المتنفذين المدعومين على أراضيهم بالقوة. ورغم الشكاوى المتعددة إلى الجهات المسؤولة كافة، وآخرها عن طريق قاسيون، إلا أنه يجري في كلّ مرّةٍ تجاهلها، وقد وجه المحافظ مشكوراً لإزالة التجاوز وتسليم الفلاحين أراضيهم إلاّ أنه مضى أكثر من شهرين على ذلك ولم يحرك أحد ساكناً، وهنا نعيد التساؤل مرةً ثانية: لماذا؟ ومن يقف وراء ذلك؟ وهل هناك ثمن لعدم التنفيذ يحصل عليه بعض المستفيدين!؟
لقد سمعنا الكثير من القرارات والتوصيات والتعاميم تحث وتدعو لتحرير دوائر الدولة من مخالب البيروقراطية، الكابحة والمعيقة لعملية التطور الديمقراطي، والاقتصادي الاجتماعي في البلاد، ولكن لم نر سوى جعجعة بلا طحين.
انعقد بتاريخ 16/3/2008 مؤتمر الجمعية الفلاحية في موحسن، بغياب عدد كبير من الفلاحين المنتسبين لها، بسبب عدم معرفتهم به، وهذا ما يحتاج إلى إعادة النظر في الإعلان عن انعقاد المؤتمرات للجمعيات الفلاحية، وكذلك طريقة اختيار القيادات فيها، حيث لا يتم على أساس الكفاءات، وإنما لاعتبارات أخرى لا تسهم في تطوير الحركة الفلاحية ولا تطوير العمل والإنتاج الزراعي، بل تعيقه وتفسح مجالاً للفساد بأشكاله المتنوعة، وكانت أهم النقاط التي بحثت في المؤتمر:
اشتكى أهالي مدينة «موحسن» كثيراً من أصحاب الأفران، فمعاناتهم متكررة رغم بعض الجولات «التموينية»، التي تنتهي باختيار رغيف مصنع بمواصفات عالية، بينما واقع الحال يقول إن نوعية الخبز سيئة، حيث وجد في أحد الأرغفة جلد فأر، وفي آخر «جزء من سحلية»، كما أن أصحاب الأفران يقومون ببيع الطحين، وحددوا سعر الكيس 800 ليرة سورية، مما يضطر الأهالي لشراء الخبز من المدينة، أو من البقاليات التي تبيع ربطة الخبز بعشرين ليرة، والمواطن الذي يحتاج إلى ربطتين يومياً، يدفع زيادة 300 ليرة سورية شهرياً. كما يقوم أصحاب الأفران بجمع الطحين المتساقط على الأرض وعجنه وخبزه مع بقايا الخبز اليابس والأوساخ..
مهما تعددت أنواعه، اقتصادي، سياسي، اجتماعي، أو إداري، ومهما اختلفت أشكاله، نهب، هدر، سرقة، رشوة، أو جريمة، ومهما كان حجمه، كبيراً أو صغيراً، فيبقى الفساد ملة واحدة، ويبقى اسمه فساداً، لكننا نميز هنا بين المستويات، فالفساد الكبير هو الأخطر، وهو الذي يفتح الطريق للصغير، والذي يعاني من هذا الفساد ويدفع ضريبته هو المواطن، الذي يتحمل نتائج سوء السياسة والتخطيط.