النسخة الوحيدة من موحسن
الحرب «جائع» تاريخي، ومصاص دماء لا يشبع من دم الشعوب، وفأر كبير يقضم من صفحات الكتب، وتنين يحول رفوف المكتبات إلى رماد.
يعرف التاريخ العالمي ماذا فعل هولاكو بمكتبة بغداد، وكيف تلون نهر دجلة بلون الحبر مدة طويلة، وكيف أتت الحروب الاقطاعية في الشرق على مكتبات ضخمة، حتى أننا اليوم نعرف أسماء كتاب كبار، ولكننا لا نعرف عن أعمالهم شيئاً، لأنها وببساطة غرقت أو أحرقت في الحروب.
والتهمت نيران الحرب والتهب مئات المكتبات العامة والخاصة والمدارس والمراكز الثقافية.
النسخة الوحيدة من موحسن، هي النسخة الأخيرة المتبقية من كتاب «موحسن، واقع وآفاق» من تأليف الرفيق حسين الشيخ «حسين احميدي الشيخ». صدر الكتاب في دير الزور نهاية 2010 وبداية 2011، وطبع منه حوالي 500 نسخة، في 347 صفحة من القطع الكبير.
يتحدث الجزء الأول من الكتاب عن لمحة تاريخية لمدينة موحسن، التطور التعليمي والثقافي في المدينة، الوضع الاجتماعي ونضال الفلاحين ضد الإقطاع من أجل الأرض، والنضال الوطني التحرري ضد الاستعمار الفرنسي، وشهداء موحسن الأبرار. أما الجزء الثاني فهو مخصص للأنساب العربية لسكان موحسن من عشيرة البوحليل.
وَثَّق الكاتب تفاصيل ثورة موحسن ضد الاستعمار الفرنسي المعروفة محلياً باسم ثورة «البوخابور» 1921، ونشوء منظمة للحزب الشيوعي عن طريق المعلمين الشيوعيين بعد 1950، المنظمة التي لعبت دوراً مهماً في انتفاضة فلاحي موحسن ضد الاقطاع بداية خمسينات القرن العشرين والتي تعرف محلياً باسم «قومة موحسن». كما وثَّق الكاتب السيرة الذاتية والصور الفوتوغرافية لشهداء مدينة موحسن الذي سقطوا في النضال ضد الاستعمار الفرنسي وحرب حزيران 1967 وحرب تشرين 1973 وحرب الاستنزاف الأولى 1968-1970 والثانية 1973-1974، وحرب لبنان 1982، ومعارك المقاومة في فلسطين والعراق، والذين بلغ عددهم 27 شهيداً.
كما وثق معلومات عن أبناء موحسن الذين درسوا الإعدادية، من حصل منهم على شهادات جامعية في الطب والصيدلة والهندسات والكليات الأدبية وغيرها.
منعت الأزمة السورية توزيع الكتاب سنة 2011، وأحرق القتال الدائر في دير الزور نسخ الكتاب الـ 500 سنة 2012، ولم يبقَ منه سوى نسخة وحيدة، كوثيقة شاهدة على تاريخ مدينة موحسن في القرن العشرين.