افتتاحية قاسيون 976| سورية الجديدة: نسبي ودائرة واحدة

افتتاحية قاسيون 976| سورية الجديدة: نسبي ودائرة واحدة

أعادت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة تأكيد المؤكد: النظام الانتخابي القائم هو نظام قاتل للحركة السياسية، وعاجز عن تمثيل المجتمع، وألعوبة بيد قوى المال وقوى جهاز الدولة.

ما تنبغي معرفته بداية، أنّ النظام الانتخابي المعمول به في سورية، هو النظام نفسه في الجوهر الذي أرساه الاحتلال الفرنسي لسورية (نظام أكثري والدائرة الانتخابية هي المحافظة)، علماً أنّ فرنسا نفسها قد غيّرت وطورت قانونها الانتخابي عدة مرات منذ ذلك الحين.

في النظام الانتخابي الأكثري، تحتل القائمة ذات الأكثرية النسبية من الأصوات جميع مقاعد الدائرة المعنية، ولا تحصل القوائم الأخرى على أي مقعد. فإذا حصلت قائمة ما، بين عشر قوائم متنافسة على نسبة 20% من الأصوات مثلاً، وكانت هذه هي النسبة الأعلى مقارنة ببقية القوائم، فإنّ هذه القائمة ستحتل جميع المقاعد التي يتم التنافس عليها، ولن تحصل القوائم التسع الأخرى على أي مقعد؛ بكلام آخر، فإنّ 80% من الأصوات ستكون بلا قيمة، ولن يجري تمثيلها في البرلمان أو مجلس الشعب!

في مقابل النظام الأكثري، فإنّ نظاماً نسبياً، سيوزع المقاعد على مختلف القوائم، كلٌّ وفقاً للنسبة التي يحصل عليها من أصوات الناخبين، ما يرفع إلى درجة كبيرة القدرة التمثيلية للعملية الانتخابية وللمؤسسة التشريعية.

من جهة أخرى، فإنّ نظام الدوائر المتوسطة، الذي يعمل على أساس المحافظات، يقطع الطريق أمام الأحزاب الوطنية العاملة على كامل الساحة السورية، ويحول الانتخابات التشريعية إلى ما يشبه انتخابات المخاتير والبلديات، بل وأسوأ من ذلك، يفتح الباب لاستخدام النزعات تحت الوطنية، من طائفية وعشائرية ودينية كأداة في الوصول إلى المجلس. وربما الأهم- بما لا يقاس، من وجهة نظر قوى المال وقوى جهاز الدولة- أنّ نظام الدائرة/ المحافظة، يتطلب عدداً هائلاً من الصناديق الانتخابية على مستوى البلاد، لا يمكن بحال من الأحوال تغطيتها ومراقبتها بشكل فعلي، إلّا من قبل أصحاب المال، ومن قبل جهاز الدولة، ما يسهل عمليات الغش والتزوير واستخدام المال السياسي.

في مقابل الدائرة/ المحافظة، فإنّ نظاماً انتخابياً يعتبر البلاد بأسرها دائرة واحدة، من شأنه أنْ يرفع من شأن البرامج الوطنية العابرة للطوائف والأديان والقوميات، حيث ينتخب السوري في أي مكان من سورية ممثليه لبرلمان سوري، لا برلمان لتجميع المحافظات.

إنّ نظاماً انتخابياً نسبياً يعتمد البلاد دائرة واحدة- أي: على العكس تماماً من النظام القائم حالياً- بات ضرورة وطنية لا مفرّ منها، في سياق التطبيق الكامل للقرار 2254، لتوحيد سورية جغرافياً ومجتمعياً؛ عبر فتح الباب أمام دفن الفضاء السياسي القديم، وأمام ولادة فضاء سياسي جديد عابر للأديان والطوائف والقوميات، ويمثل السوريين كسوريين، ويمثل مصالحهم العميقة، وفي مقدمتها: مصالحهم الاقتصادية- الاجتماعية بوصفهم يعانون منذ عقودٍ من عمليات نهب واستغلال وحشي، تترجمها أرقام توزيع الثروة الوطنية، التي يحصل بموجبها ما يزيد عن 90% من السوريين، على أقل من 10% من مجمل الثروة الوطنية...

افتتاحية قاسيون 976

لتحميل العدد 976 بصيغة PDF

معلومات إضافية

العدد رقم:
976
آخر تعديل على الأحد, 26 تموز/يوليو 2020 23:48