انتخابات برلمانية.. أم معرض رسوم كاريكاتيرية؟

تجري العملية الانتخابية اليوم في لحظة حرجة من تاريخ سورية، هي اللحظة الفراغ التي يموت فيها القديم والتي لمّا يتبلور فيها الجديد بعد بشكل ناجز، وعلى الرغم من صعوبة هذه اللحظة إلا أنها ترتدي أهمية عالية كونها تحتضن الصراع بين الجديد والقديم بالوقت ذاته، وبالتالي يتشكل فيها العديد من ملامح المرحلة المقبلة... تتكرر الطريقة والعقلية التي تجري فيها الانتخابات، بفعل فاعل، وبقوة العطالة، بدءاً من طبيعة الشخصيات المترشحة «المستقلة» وغير المستقلة، إلى شكل الحملات الاعلامية والدعائية المرافقة للإنتخابات، إلى شعارات المرشحين وأهدافهم المرافقة لصورهم إن وجدت ...ألخ، والأهم من كل هذه وذاك قانون الانتخابات نفسه، الذي لا يعدو كونه نسخة عن سابقه، حيث تشكل كل محافظة دائرة انتخابية بذاتها، الأمر الذي يسمح من جديد لبعض القوى السياسية والاجتماعية التقليدية والمتخلفة- التي غدا وجود بعضها سبباً لاستمرار الأزمة- بالعودة إلى تحت قبة البرلمان، أي يمكن القول في المحصلة إن قانون الانتخابات «الجديد- القديم» هو الذي يسمح بتكرار التجربة ذاتها، التي غدت اليوم كاريكاتورية بعد أن سلطت الأزمة الأضواء عليها بكثافة..

في ظل قانون الانتخابات الحالي، وفي ظل غياب الضمانات بنزاهة العملية الانتخابية حتى اللحظة، يترسخ شكل الدعاية الانتخابية لقوى جهاز الدولة وقوى المال، وبعض القوى الاجتماعية المتخلفة- عشائرية وقبلية- الدعاية ذاتها في كل انتخابات متمثلة بمعارض هزلية للصور الشخصية، مزينة ببعض الشعارات والجمل، التي لا تحمل أي مضمون أو دلالة ملزمة، والأمر الجديد في كل انتخابات، وفي هذه الانتخابات أيضاً، هو في أحسن الأحوال، تغيير بعض التقنيات في صور المرشحين وفي طبيعة الجمل الملحقة بها، وفي شكل عرضها في الإعلام والشوارع، ليظهر مقدار الاستخفاف والتلاعب الرخيص بوعي الناس وبدورهم المفترض في تقرير مصيرهم من خلال ممثليهم في مجلس الشعب.. وإذا كانت الشحنة العالية من التلوث البصري الذي يلف العاصمة وبقية المدن السورية تنفر الناس من المشاركة في العمليات الانتخابية السابقة، فإنها اليوم، وفي ظل الأزمة التي تعصف في البلاد، تضع جدية النظام في اطلاق الإصلاحات والعملية السياسية موضع شك، وتخفض مستوى الرضا والثقة في كامل العملية..
تترافق الحملات الدعائية للمرشحين مع غياب شبه كامل للبرامج السياسية والانتخابية، ذلك أن تذكرة الوصول إلى البرلمان هي دعم جهاز الدولة ودعم المال، أكثر من دعم الجماهير لبرنامج المرشح، الأمر الذي يعفي المرشح صياغة برنامج للجماهير، وطرحه للناس وخوض النقاشات معها حوله، والالتزام به لاحقاً تحت قبة البرلمان...
أما الشعارات المرافقة لصور المرشحين فهي من العمومية والسطحية بحيث أنها ببساطة لاتعبر لا عن شيء ملموس ولا عن شيء فكري، كأن يكتب أحد الفاسدين المعروفين من قوى المال شعار «لا للفساد» على يافطاته، ويكتب أحد رجال الأعمال الداعين لتصفية القطاع العام «لا للبطالة» وعلى الرغم من صحة الشعارين إلا أن المفارقات المضحكة المبكية التي وضعنا بها قانون الانتخاب جعلت صناع الأزمات يتاجرون حتى بالأزمات ذاتها التي خلقوها هم، هذا غير الشعارات المعومة والمعممة التي لاتدل على شيء مثل «إرادة» فقط، إرادة من على من؟ أو «تقدم»، من على من قوى الفساد؟ أم الجماهير؟ أومثلا«أوصلوا صوتكم إلى مجلس الشعب» من قال لك إنك صوتنا؟ من أنت حتى ننتخبك؟ من تمثل؟ إذا انتُخِبت ماذا تضمن لنا؟؟؟..
وهكذا من الطبيعي أن يتساءل الناس، لقد حان الوقت كي يتساءل الناس، كي تعرف ممثليها.. لم يعد ممكناً الضحك على الناس أو اللعب على أوجاعهم أو الاستخفاف بعقولهم..
ومع بداية ظهور الأزمة السورية إلى العلن، تسعى بعض القوى المتنفذة في النظام إلى كسب المعركة الانتخابية من خلال الابقاء على جوهر القانون الانتخابي، وهي بذلك تخسر المعركة سياسياً من جديد بفقدانها ثقة الجماهير بهذا الامتحان الصعب للنظام، كما فقدت ثقة الجماهير في اختبارات سابقة..
وفي المقلب الآخر، سابقاً قاطعت الكثير من القوى السياسية في المعارضة الانتخابات، متذرعة بالقانون الانتخابي غير العادل، واحتمالات التلاعب بالنتائج، وعلى الرغم من أهمية هذه الأسباب، إلا أن هناك سبباً آخر، لم تقله تلك القوى، وهو ضعف هذه القوى ووزنها المنخفض جماهيرياً، لذا كان من الأسهل مقاطعة الانتخابات والنأي عن تلك العملية السياسية، الأمر الذي أبقى تلك القوى بعيدة عن الجماهير، وهذا خطأ كبير شمل الكثير من القوى في التجارب الانتخابية السابقة..
إلا أن الانتخابات، بغض النظر عن الفوز أو الخسارة، هي معركة طرح البرامج السياسية، ومعركة فرض التقاليد الديمقراطية على أعدائها، هي معركة تعبئة الجماهير ضد قوى المال وجهاز الدولة، وتعبئتها حول أهداف ومطالب سياسية...ألخ، ولم يأخذ بهذا التوجه في حينه إلا بعض قوى المعارضة الوطنية، التي سعت وتسعى إلى فرض برنامجها من خلال الجماهير، وليس من خلال جهاز دولة أو مجتمع دولي..
اليوم تعود الكثير من قوى المعارضة إلى الموقف نفسه، بعضها للسبب السابق ذاته، وبعضها منتظراً فرض «الديمقراطية» عبر التدخل العسكري واسقاط النظام، في حين تعود قوى الفساد والمال للظهور مضطرةً في معركة هامة ستلعب دوراً في تحديد مستقبلها، ولكن الجديد هذه المرة ليس فقط عودة الجميع إلى مواقعهم الطبيعية، ولكن أيضا عودة الجماهير إلى مكانها الطبيعي.. إلى الشارع فقد حان الحساب..