عرض العناصر حسب علامة : التراجع الأمريكي

ماذا يعني التراجع الأمريكي؟

إن تراجع وزن الولايات المتحدة ودورها في العالم لا يخص الولايات المتحدة وحدها، ولا العلاقات بين الدول الكبرى فقط، بل هي مسألة تخص كل دول العالم، بلا استثناء، وبالتالي فإن معالجة هذه المسألة ليست ترفاً سياسياً، أو مجرد موقف أيديولوجي، أو اصطفافاً مع خصوم واشنطن، بل يتعلق إلى حد كبير باتجاه تطور الوضع العالمي ككل، وفي مختلف المجالات:



بعد النفط... تسعير الذهب باليوان

ستأتي قريباً الخطوة الثالثة في مسار تحويل الصين لعملتها إلى عملة تبادل دولية تكسر هيمنة الدولار. فبعد انضمام اليوان إلى سلة احتياطي العملات الدولية، وبعد عقود النفط المستقبلية باليوان، تأتي عقود الذهب المسعّرة بالعملة الصينية! لتؤمن بذلك إمكانية منافسة في سوق تسعير وتبادل النفط والمعادن وتحديداً الذهب.

 

مشروع سيل «دموع واشنطن» 2

مع تتالي الهزائم الأمريكية الاقتصادية والسياسية، تحاول واشنطن أن تستجدي حلفاءها بصيغة قوّة زائفة، لتعارض وتفرض عقوبات هنا وهناك. وللحليف الأوروبي، الذي لم يعد مطيعاً كما السابق، نصيبه من تلك العقوبات، وإن كان بشكل غير مباشر، وتحديداً ألمانيا المدافعة والمنخرطة في مشروع «السيل الشمالي 2» لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.

أمريكا تخسر... رغم (انسحابها النشط)

منذ أن تولى ترامب الرئاسة الأمريكية ببرنامجه الناري، وبكاريزما الرئيس (البزنس مان الأرعن)... والولايات المتحدة تنتقل بقوة إلى سياسة (الانسحاب النشط): حيث تستبق أمريكا كل خطوة للوراء، بأكبر قدر من الضجيج. ولكن هذا الأسلوب الهوليودي الجديد ليس أكثر من ديكور حرب ودخانٍ مصطنع، لمنتجين بميزانية أقل، ولم يعد مقنعاً لأحد!
كلما علا الضجيج الأمريكي، كلما كانت خطوة الانسحاب أكبر. ولكن ما يمكن أن يسري على المزاج السياسي العام للناس، لا يتحول إلى قوى واقعية، فالتراجع هو التراجع. وأصبح واضحاً أن كل استعراض للقوة والرعونة الأمريكية مؤخراً، يعقبه حكماً خسائر أمريكية، ومكاسب للآخرين، وضرره لم يعد يتعدى التأخير وإدامة الاشتباك.

 

لا تعاتبوا ترامب!

بعد تخبط طويل دام عدة أشهر، اتخذ ترامب قرار الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، بزعم وجود بنود مجحفة فيه يجب تعديلها. فما هي مبررات اتخاذ هذا القرار؟ وما هي مآلاته وانعكاساته على العلاقات الدولية مع إيران؟

استحقاقات التراجع

تتضح يوماً بعد يوم، عملية الاستقطاب الدولي الجديدة بين القوى الصاعدة، والقوى المتراجعة، وتتعمق أكثر فأكثر مسألة التراجع الامريكي، بدءاً من الازمة الكورية، إلى بحر الصين، إلى التخبط في موضوع الملف النووي الايراني..
لا تكمن أهمية التراجع الأمريكي، فقط في الخسائر المتلاحقة التي منيت بها الاستراتيجية الأمريكية، بل تتجسد أيضاً في أن هذا التراجع يفتح الطريق على الخيارات البديلة، حسب خصائص وظروف كل بلد من بلدان العالم.
إن فشل العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه، وتراجع دور العمل المسلح، بعد عمليات الغوطة الشرقية، وعموم محيط العاصمة، وشمالي حمص، لا يعني تغييراً في الأولويات التي يجب التصدي لها، ولا العناوين الأساسية في الوضع السوري، فالتغيير الوطني الديمقراطي، كان وما زال ضرورة تاريخية يفرضها الوضع السوري نفسه، وهو حاجة داخلية سورية موضوعية، وليس مجرد رغبة لهذا التيار السياسي أو ذاك، ولا يتعلق بظرف آني، بل عملية تاريخية قائمة منذ ما قبل 2011 وتفجر الأزمة بالطريقة التي كانت، ومستمرة حتى تحقيق هذه الضرورة، وهو من جهة حق مشروع للشعب السوري، ومن جهة أخرى، ضرورة وطنية تتعلق بتأمين أدوات استعادة سيادة الدولة السورية، والحفاظ على وحدتها، حيث تأكد بالملموس خلال سنوات الأزمة، استحالة إدارة شؤون البلاد بالطريقة السابقة، لا من ناحية بنية النظام السياسي، وهيكليته، ولا من جهة طرائق وآليات توزيع الثروة، أي أنه ضرورة سياسية واقتصادية اجتماعية في آن واحد، وهو ليس مسألة شكلية، يمكن ان تحل ببعض الإجراءات، بل عملية عميقة، وجذرية، جوهرها أن يقرر الشعب السوري، مصيره بنفسه، دون أي شكل من أشكال الوصاية عليه.

واشنطن كانت أقوى..!

بعد التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي عن انسحاب وشيك للقوات الأمريكية، تصاعد الحديث عن قدوم قوات عربية وأوربية، بديلة عن القوات الأمريكية المتمركزة في الشمال السوري، لابل أشارت تقارير إعلامية إلى وصول قوات فرنسية بالفعل الى بعض المواقع.
إن ردود الأفعال الأولية على المحاولة الأمريكية، بما فيها مواقف محميات الخليج العربي، المرتبكة، والقلقة، يشير بأن مغامرة واشنطن الجديدة، ولدت ميته، فهذه الدول منهكة أصلاً بأزماتها الداخلية و البينية، ومآزقها الإقليمية من حرب اليمن، إلى ملف العلاقات مع إيران، إلى دورها المفضوح في الازمة السورية، وحدها «فرنسا ماكرون» تبدو متلهفة إلى التورط في الرمال السورية المتحركة.

التراجع الأمريكي وملء الفراغ

بات التراجع الأمريكي التدريجي أمراً واضحاً وملموساً، خارج دائرة الجدل، والأهم أنه بات ثابتاً ومستمراً، واتجاهاً إجبارياً لا بديل عنه.

«العصر الأمريكي» هبوط لا رجوع عنه

يتجاذب العالم منذ مطلع القرن العشرين قطبان متصارعان: الامبريالية وسعيها للبقاء والتوسع من جهة، وشعوب العالم وحاجتها للتطور غير الاستغلالي من جهة أخرى... وسط هذا الصراع المستمر أتت تجربة تشكيل الاتحاد السوفييتي، ودول المنظومة الاشتراكية، كعلامة فارقة في هذا الصراع. حيث نقل الثوريون الروس الصراع إلى مستوى جديد عندما أسسوا التجربة الأولى لنظام بديل، أثبت قدرته على المنافسة. ولكن هذا الميزان اختل مع انهيار الاتحاد السوفييتي، وأصبح العالم رهينة للقطب المهيمن الواحد الأمريكي كرأس حربة للإمبريالية: اقتصادياً بفرض النيوليبرالية، وبإمساك عصب المال العالمي عبر الدولار، وعسكرياً بقوة البطش والعنف التي تحمي المنظومة، وسياسياً بمنطق العلاقات الدولية المتشكل بعد الحرب العالمية الثانية، والسائد مطلع التسعينيات...