واشنطن كانت أقوى..!
بعد التصريحات المتكررة للرئيس الأمريكي عن انسحاب وشيك للقوات الأمريكية، تصاعد الحديث عن قدوم قوات عربية وأوربية، بديلة عن القوات الأمريكية المتمركزة في الشمال السوري، لابل أشارت تقارير إعلامية إلى وصول قوات فرنسية بالفعل الى بعض المواقع.
إن ردود الأفعال الأولية على المحاولة الأمريكية، بما فيها مواقف محميات الخليج العربي، المرتبكة، والقلقة، يشير بأن مغامرة واشنطن الجديدة، ولدت ميته، فهذه الدول منهكة أصلاً بأزماتها الداخلية و البينية، ومآزقها الإقليمية من حرب اليمن، إلى ملف العلاقات مع إيران، إلى دورها المفضوح في الازمة السورية، وحدها «فرنسا ماكرون» تبدو متلهفة إلى التورط في الرمال السورية المتحركة.
ما يجب التنبه له قبل كل شيء، أن الانسحاب الأمريكي هو أمر واقع، ومسألة وقت لن يطول، بعد القضاء على داعش التي كان وجودها ذريعة للتدخل، لاسيما وان الوجود الامريكي يتناقض أصلاً مع القانون الدولي، وكل ما في الأمر، أن الـ «هبة» التي تقدمها واشنطن لحلفائها، إنما هي استغلال لحاجة بعض هؤلاء الحلفاء، إلى استعادة النفوذ المتآكل في ظل ميزان القوى الدولي والإقليمي والمحلي، بعد أن باتوا خارجاً، وتسعى قوى الحرب الامريكية، من خلال ذلك إلى رفع منسوب التوتر إلى حد أعلى، وتفعيل تناقضات جديدة، «اوربية - تركية و اوربية – روسية..» أي أن واشنطن المكرهة على الانسحاب، تحاول أن تترك خلفها أزمات غير قابلة للحل، و تعمل على استدامة الاشتباك بأية طريقة كانت، بغية استنزاف روسيا الاتحادية، وإيجاد ذرائع جديدة للإبقاء على التوتر القائم في العلاقات الدولية، على اعتبار أن التوتر هو الملعب الوحيد الذي تستطيع واشنطن من خلاله، عرقلة وتأخير المسار الجديد في العلاقات الدولية، عبر إشغال القوى الدولية الصاعدة بمعارك هامشية، جزئية طالما أنها تتراجع في ملفات الصراع الأساسية.
وبغض النظر عن مآل عملية استقدام قوى عسكرية جديدة، وتنفيذها من عدمه، من قبل أتباع واشنطن من العرب والعجم، وسواء انسحبت القوات الامريكية نفسها أم لم تنسحب، فإن ما عجزت واشنطن عن تحقيقه بنفسها عندما كانت أقوى، أومن خلال تحالفها الدولي، وعدوانها الثلاثي، وطائراتها وصواريخها، وبوارجها، وماكينتها الإعلامية، لن يتحقق بقوات فرنسية أو عربية أو حتى بكليهما معاً، ولن تكون مصير هذه المحاولة بالمحصلة أفضل من سابقاتها، فواشنطن التي تمنح للغير ما هو ليس لها أصلاً، هي نفسها التي جربت التدخل العسكري المباشر، ولم تستطع، و صنعت الإرهاب، ومولت العمل العسكري، ولم تحقق ما تريد، ولم تستطع إيقاف مسار جنيف، وإن عرقلته مؤقتاً، لا بل أن واشنطن الآن أضعف، في الاقتصاد، والسياسة، و في الجانب العسكري أيضاً، فالقوى الصاعدة، وكما هو واضح انتقلت من الدفاع الى الهجوم، وباتت بصدد إلحاق المزيد من الضربات المتلاحقة بالخصم، وتفكيك منظومة أدوات الهيمنة الغربية، وصولاً إلى فرض منطقها ورؤيتها على الوضع الدولي، الذي يتجلى في ظروف بلادنا بالحل السياسي وتنفيذ القرار 2254.