بين عام 2004 و.. 2018 الوضع الدولي الناشئ - مهامنا ودورنا
نضع بين أيدي قراء «قاسيون» صفحات من تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري الذي انعقد في كانون الأول عام 2004، الذي وضع الخطوط الأساسية لرؤية الشيوعيين السوريين، وقراءتهم لتطور الوضع الدولي، والتي تطورت فيما بعد، من خلال وثائق اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وحزب الإرادة الشعبية، حيث تنبأت الوثيقة، وكما سيتضح للقارئ الكريم، باتجاه الوضع الدولي وآفاقه...
من المعروف أنه بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، اختل ميزان القوى الدولي بين القطبين النقيضين، قطب الإمبريالية، وقطب الشعوب. وأُتيحت الفرصة للإمبريالية الأمريكية، أن تحاول فرض هيمنتها عبر فرض قطبها الأوحد، هذه المحاولة التي أكد حزبنا منذ البدء أنها آيلة إلى الفشل، لأن المجتمع كالطبيعة لا يقبل الفراغ، وبالفعل حاولت الإمبريالية الأمريكية التأسيس الأيديولوجي لمحاولتها الجنونية عبر عشر نظريات: نهاية التاريخ، وصراع الحضارات، وقوس التوتر.. إلخ...
وقد استنتج حزبنا باكراً في أوائل التسعينات، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أن انتهاء الحرب الباردة لن يجعل العالم أكثر أمناً واستقراراً، بل العكس هو الصحيح. وفعلاً حاولت الإمبريالية الأمريكية فرض سيطرتها وهيمنتها في السنوات العشر اللاحقة لانهيار الاتحاد السوفييتي بوسائل مختلفة: سياسية وعسكرية واقتصادية. وكانت حرب الخليج الثانية والحرب اليوغسلافية محاولات أساسية على طريقها هذا، ولكن الذي حدث أن تناقضات الرأسمالية ازدادت حدة بسبب المشكلة العضوية البنيوية التي تعاني منها، وخاصة اقتصادياً، إذ كانت تتصور أن الخلل الموجود لديها هو خلل وظيفي مؤقت يمكن تجاوزه بزيادة رقعة الهيمنة والسيطرة سياسياً وعسكرياً. وعندما اتضح أن استفحال التناقضات يمكن أن يؤدي إلى انهيار بنيوي شامل، لجأت إلى الحل العسكري عبر ما يسمى: حربها العالمية ضد الإرهاب كحل وحيد لمشكلتها. فأين تكمن أسس المشكلة لديها:
أزمة اقتصادية مستعصية
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد أن جنت الإمبريالية الأمريكية الثمار الاقتصادية لهذه الحرب، احتلت المركز الأول اقتصادياً بين البلدان الرأسمالية، محسوباً على أساس حصتها منفردة في الإنتاج العالمي، بالمقارنة مع المراكز الإمبريالية الأخرى. ولكن منذ بداية السبعينات بدأ يتضح ميل تراجع موقعها الاقتصادي، وثبت نهائياً بعد ظهور الاتحاد الأوروبي الذي احتل المركز الأول، الذي كانت تشغله سابقاً الولايات المتحدة الأمريكية. وبما أن الدور السياسي والعسكري هو انعكاس للنفوذ الاقتصادي، فقد نشأ تناقض بين هذين العملاقين، كانت تُحل أشباهه في القرن العشرين عبر الحروب العالمية. واستباقاً للخسارة النهائية لموقعها، وضعت الإمبريالية الأمريكية استراتيجية للسيطرة السياسية، وحتى العسكرية إذا لزم الأمر، على كل موارد الكرة الأرضية الطبيعية والبشرية كحل استباقي لأزمتها التي لا حل اقتصادي لها. من هنا يتضح سبب الميل التوسعي العدواني للإمبريالية الأمريكية.
أما قضية خياراتها وبدائلها في عملية التوسع العالمية فهي قضية تتحكم بها الظروف الملموسة والوقائع المستجدة.
ولهذه الأزمة الاقتصادية المستعصية جانبها المالي العالمي الهام جداً في الظروف الحالية. فبعد إلغاء اتفاق «برايتون وودز» في أوائل السبعينات، حيث تم فك ارتباط الدولار والعملات الأخرى بالذهب، أخذت الإدارة الأمريكية حريتها بطبع كميات هائلة من الدولار الورقي، مستفيدة من حاجة السوق العالمية لعملة تداول عالمية تكون مقياساً ومعياراً بين العملات الأخرى مكان الدور الذي كان يلعبه الذهب، فنشأ_ نتيجة ذلك_ وضع جديد تميز بإنتاج الولايات المتحدة لكميات هائلة من الدولار الورقي أكثر بكثير من حاجة سوقها المحلية لتلبية الطلب العالمي على عملة تلعب دور مقياس معيار للتبادل، وثبتت هذا الوضع بفرضها الدولار كمعيار للتبادل النفطي الذي يعتبر سلعة عالمية استراتيجية تؤثر في التبادل على باقي السلع. والواضح أن إنتاج الدولار الورقي بلا حدود أعطى الولايات المتحدة وضعاً تمييزياً سمح لها بالمقابل، الاستيلاء على ثروات العالم دون مقابل، ولكن هذه الأفضلية التي سماها كاسترو (بفقاعة الصابون) التي لابد أن تنفجر في يوم من الأيام، تحولت إلى نقطة ضعف كبرى وصاعق يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الانهيار في حال تخلي العالم أو جزء منه عن الدولار كمعيار للتبادل. وكان هذا الأمر واضحاً للأوساط القيادية في الإمبريالية الأمريكية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان هذا الانهيار مخرجاً مؤقتاً من الأزمة بسبب النهب الواسع الذي تلاه لثروات الاتحاد السوفييتي، الذي سمح مؤقتاً بتأجيل الأزمة سنوات قليلة. ومنذ عام 1995 استخدمت الإمبريالية الأمريكية آلية البورصات العالمية التي تحولت إلى نادي قمار عالمي من أجل تسريع دوران الدولار الفائض عن حاجة الأسواق. والدليل على ذلك هو أن التبادلات في البورصات العالمية كانت حتى 1995 (90%) منها لها علاقة بالاقتصاد الحقيقي و(10%) بالمضاربات المالية، التي تهدف إلى البيع والشراء السريع للأسهم بعيداً عن عمليات الإنتاج الحقيقية، وانقلبت الآية بعد 1995 إلى العكس، وأصبح (90 %) من المبادلات لا علاقة لها بالاقتصاد الحقيقي. وإذا علمنا أن حجم المبادلات اليومية في البورصات العالمية يبلغ (1,5) تريليون دولار، نعرف تماماً حجم الأزمة التي يعانيها الدولار الأمريكي، وقد سمحت هذه الآلية بتأجيل انفجار الأزمة حتى 2001، حين دخل عامل جديد على الخط، وهو ظهور اليورو بكامل أبعاده في أوائل عام 2002، وكان كثير من الاقتصاديين والمختصين يتوقعون انهياراً كبيراً للدولار في الربع الأخير من 2001 بسبب مجمل العوامل المذكورة أعلاه، مما اضطر صندوق النقد الدولي أن يقترح على الإدارة الأمريكية في تقريره في حزيران 2001 الانتقال إلى سياسة الدولار الضعيف بالتدريج عبر تخفيضه (6 حتى 7 %) شهرياً، وصولاً إلى (40 %) من قيمته الاسمية، وذلك تجنباً للصدمة التي يمكن أن يسببها اليورو بطرده للدولار من مساحة واسعة كان يشغلها، هي أوروبا الغربية.
وحسب تقديرات الاختصاصيين فإن حجم الدولار النقدي الموجود في السوق العالمية يزيد ما بين (50 و200) مرة عن حاجة السوق فعلياً له، لذلك فإن الأوساط المالية العالمية التي تلعب الاحتكارات الأمريكية دوراً أساسياً فيها إلى جانب الصهيونية العالمية، كانت أمام خيارين لا ثالث لهما في نهاية المطاف:
- إما التخلي الطوعي عن الدور العالمي للدولار بالتدريج، مما يعني فقدان الإمبريالية الأمريكية لموقعها الأول اقتصادياً وبالتالي سياسياً وعسكرياً.
- وإما الاستفادة من الوضع السياسي والعسكري القائم لديها للحفاظ على وضع الدولار، وبالتالي الهيمنة العالمية الاقتصادية الأمريكية للدولار، ولكن هذه المرة عبر استخدام القوة.
لذلك فإن الكثير من الباحثين، من الغرب والشرق قد تنبؤوا بأحداث 11 أيلول قبل وقوعها بأشهر عديدة مثل: الأمريكي (ليندون لاروش)، والروسية (تاتيانا كالياغينا)، والكندي (ميخائيل شادوفسكي). وقد نشرت «قاسيون» الكثير من هذه التوقعات في حينه. وجاءت الأحداث وأكدت، أن الإمبريالية الأمريكية لجأت إلى الحل الثاني للحفاظ على دورها المتهاوي، وكانت ضربة أفغانستان، العملية الأولى في إعلان ما سمته «الحرب العالمية على الإرهاب»، دون تحديد آفاق مكانها وزمانها.
تناقضات اجتماعية داخلية عميقة
لقد أسست الإمبريالية الأمريكية لنفسها عبر نهبها المنظم للعالم على مدى نصف قرن نمطاً من الحياة الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، خفف إلى حد كبير من التوترات الاجتماعية التي يسببها التناقض الأساس بين العمل ورأس المال، والذي يتجلى بتمركز هائل للثروة بيد أربعين عائلة تملك الولايات المتحدة الأمريكية وتحكمها، ومن الواضح أن تراجع إمكانية الاستمرار بالنهب العالمي بالوتيرة السابقة، يحمل في طياته احتمال التراجع عن نمطٍ من الاستهلاك انتشر في الولايات المتحدة، يتميز بالاستهلاك المفرط، والذي أصبح نمطاً، إذا تم التراجع عنه بسبب الضرورات الجديدة، سيحمل في طياته خطر تفاقم الصراع الاجتماعي الطبقي داخل الولايات المتحدة، مع الاحتمالات التي يمكن أن يفتحها من إمكانية انهيار بنية المجتمع والدولة القائمة. لذلك فإن أحداث 11 أيلول كانت مبرراً ضرورياً لتجاوز عقدة فيتنام من جهة، مما سيسمح بنشر القوات الأمريكية خارج الولايات المتحدة دون مقاومة كبيرة من جهة، وسيسمح من جهة أخرى بتقييد الحريات السياسية والمدنية العامة، وتحويل الدولة في الظروف الجديدة إلى دولة من نمط فاشي، تستطيع السيطرة على المجتمع في ظل استفحال تناقضاته الداخلية التي تتوقع مراكز البحث المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والبنتاغون بتحولها في لحظة ما إلى ما يشبه الحرب الأهلية. وفعلاً أصبح من الواضح، أن الغلاف الديمقراطي للدولة الأمريكية قد بدأ بالتمزق لتحل محله لأول مرة منذ الحملة المكارثية في خمسينات القرن الماضي، دولة بوليسية قمعية شمولية تضع أمامها هدف تخفيض عدد سكان الولايات المتحدة نفسها، إذا لزم الأمر إلى (100) مليون نسمة. إن الانهيار الاقتصادي المتوقع، والذي يقترب يوماً بعد يوم، وهو مرتبط في الظروف الحالية بفشل الحملة العسكرية الخارجية، يمكن أن يحمل في طياته إمكانية انفجار الدولة والمجتمع الأمريكي إلى شظايا من الجوانب السياسية والاجتماعية والعرقية والقومية، وحتى الجغرافية.
إن نمط الحياة الاستهلاكية الأمريكي المستند إلى الاستهلاك المفرط يتطلب حجماً هائلاً من موارد الطاقة، تعبر عنه الأرقام التالية:
(5%) من سكان العالم، الذين هم سكان الولايات المتحدة الأمريكية يستهلكون 30% من ثرواتها ويتسببون بـ(50%) من التلوث البيئي في الكرة الأرضية الذي يحصل بسبب استخدام واسع لمصادر الطاقة غير المتجددة، وأهمها: النفط، ولذلك فإن موضوع النفط وموارده يرتدي أهمية هائلة بنظر الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. وبما أن هذه الموارد غير كافية في الولايات المتحدة، فإن السيطرة عليها عالمياً يحقق هدفين:
- حل مشكلة موارد الطاقة الداخلية للهروب من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية القادمة.
- محاصرة المراكز الإمبريالية المنافسة الأخرى لإملاء الشروط عليها.
واستناداً لكل ذلك يمكن القول: أن ما يُسمى بـ «الحرب العالمية على الإرهاب» أمريكياً تهدف لتحقيق عدة أهداف على عدة مستويات:
الهدف الأول: على المستوى القريب: إيقاف تدهور الدولار عبر فرضه عالمياً بالقوة العسكرية. والسيطرة على منابع النفط لمنع تسعيره بأية عملة أخرى. وإلى جانب ذلك تشغيل المجمع الصناعي العسكري بطاقته القصوى من أجل تحريك الاقتصاد الأمريكي الراكد، الذي وصلت فيه فوائد الاستثمار إلى أدنى مستوى عرفته تاريخياً، وهو (1%) حسب ما يقرره البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
الهدف الثاني: المتوسط المدى: إحداث تغييرات عميقة في بنى الأنظمة والدول التي يطالها العدوان التوسعي الأمريكي، من أجل تأمين الهدف الأول، وفتح الطريق للهدف الثالث بعيد المدى، وهو: إحداث تغييرات بنيوية في خريطة العالم الجغرافية ـ السياسية، وفي تركيبته السكانية، تسمح حسب ما يُنظرون بالوصول إلى «نهاية التاريخ» أي: الوصول إلى السيطرة الكونية المطلقة عبر التحكم بالموارد الطبيعية والبشرية وبالجغرافيا ـ السياسية.
وهكذا يتبين: أن التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج على المستوى الكوني، في مرحلة العولمة الأمريكية قد وصل إلى نقطة أصبح فيها استمرار العلاقات الرأسمالية غير الإنسانية المبنية على النهب البطش والتبادل غير المتكافئ تتناقض كلياً مع حاجات تطور القوى المنتجة، وخاصة الشق البشري منها، الذي أصبح استئصال جزء منه شرطاً ضرورياً للحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة. هذا التناقض الذي تنبأ به ماركس وأنجلز حين قالا في حينه: «إن كل خطوة إلى الأمام في تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية هي خطوة إلى الوراء بالنسبة للإنسان وإلى الطبيعة».
وكما قالا في مكان آخر: إن المستقبل هو: «إما الاشتراكية وإما البربرية». هذه البربرية التي وصلت اليوم إلى حدودها القصوى في محاولتها تصفية جزء من الجنس البشري مع ما يحمله ذلك من خطر تصفية الحياة على الأرض نفسها.
إن التناقض مع الرأسمالية اليوم، هو تناقض اجتماعي في جوهره، وعدم حله لصالح البشر يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بوجود البشرية نفسها. لذلك أصبح النضال ضد الرأسمالية مهمة اجتماعية وإنسانية تهم كل من له مصلحة في استمرار الحياة على الأرض. ويدل على ذلك انضمام أوساط أوسع فأوسع وخاصة في الغرب وبالملايين إلى الحركة المعادية للعولمة، وهذا اتجاه موضوعي لا مرد له.
وهذا يسمح لنا باستنتاج أن منجزات البشرية التي تحققت بعد ثورة أكتوبر وبعد الانتصار على النازية وبعد نهاية المرحلة الكولونيالية لا رجعة عنها، ومما يؤكد هذا الاستنتاج: أن انهيار المنظومة الاشتراكية لم يوقف علمية تفسخ الرأسمالية وتعميق أزمتها العامة المستعصية، ولجوئها إلى الخيار العسكري، باعتباره حلاً أخيراً في ترسانة البدائل لديها، وهذا يؤكد أن الإمبريالية تسير نحو نهايتها الحتمية، وهاهي تفقد السيطرة على الوضع العالمي أمام تنامي قوة وتأثير قطب الشعوب الذي أخذ بخيار المقاومة ضد العولمة المتوحشة.
وهنا لابد من التأكيد بأن مقولة سمة العصر، هي: الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية، هي مقولة صحيحة من الوجهة النظرية، وكانت ظاهرة واقعية ملموسة ما بين انتصار ثورة أكتوبر، وبداية التراجع في الحركة الشيوعية والثورية العالمية الناتج عن الخلل في ميزان القوى لصالح الإمبريالية في بداية الستينات.وعند استكمال حالة النهوض ومعاداة العولمة التي نشهدها الآن، والتي هي في جوهرها شكل جديد من الأممية بين الشعوب، ومع بداية انسداد الأفق التاريخي أمام الرأسمالية ستتأكد سمة العصر من جديد وهي: الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
استناداً لكل ما سبق يمكن القول: إن هذه المخططات التي تستند إلى القوة العسكرية، قد وصلت إلى طريق مسدود، لأن القوة العسكرية نفسها، بقدر ما تعاظمت لها حدود. فالانتشار العسكري الأمريكي اليوم في العالم قد وصل إلى حده الأقصى من كوريا الجنوبية إلى أفغانستان والعراق ويوغسلافيا، مما يجعل إمكانية التحكم اللاحق بالصراعات الجارية مستحيلاً على الإمبريالية الأمريكية، وهذا المأزق يمكن أن يضطرها حسب تقديرات الاقتصادي الأمريكي المعروف (ليندون لاروش) إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل من الأجيال الجديدة (النظيفة) لحل المهام الموضوعة أمامها.
إن كل التطور العالمي، يثبت أن قانون التطور المتفاوت الذي اكتشفه لينين في أوائل القرن الماضي يفعل فعله اليوم فيما بين ما يسمى بلدان الشمال وبلدان الجنوب، وتتحول هاتان الحلقتان إلى حلقتين ضعيفتين كل بطريقتها، وهذا يسمح بالافتراض بأن التطور العالمي اللاحق في أوائل القرن الواحد والعشرين سيشهد انهياراً شاملاً للمنظومة الرأسمالية العالمية التي ستنفجر بفعل تناقضاتها الداخلية، والتي يلعب فيها قطب الشعوب يوماً بعد يوم دوراً متعاظماً ومتسارعاً، مما يؤكد حتمية انهيار الرأسمالية التي لم تنج من مصيرها بسبب الانهيارات في الدول الاشتراكية التي جرت في نهاية القرن الماضي، بل إن هذه العملية بعد الوقت المستقطع بين (1991 ـ 2001) قد تطورت وتحفزت واقتربت من نهايتها المنطقية، وهذا يسمح لنا بالقول بكل جرأة: إن زمن انفتاح الأفق المؤقت أمامها في النصف الثاني من القرن العشرين الذي استطاعت أن تغير فيه ميزان القوى العالمي لصالحها، قد ولى إلى غير رجعة، وأن عملية عكسية قد بدأت سيميزها تغير تدريجي سريع لميزان القوى لصالح القوى الثورية العالمية أي: أن الأزمة التي كانت تعاني منها هذه القوى هي في طور الانتهاء، وهي في حالة انتقال إلى مرحلة صعود، عليها أن تستعد لمواجهتها وتحقيق أكبر النتائج الممكنة على أساسها.