ما الذي يجري للدولار مؤخراً؟!
ترامب لا يستطيع مواجهة هؤلاء الذين بنوا هرم الدين الدولاري الأمريكي.
ترجمة قاسيون
تراجع الدولار خلال العام الماضي، وفي الربع الأول من العام الحالي، وأظهرت بياناته مقابل ست عملات رئيسة تراجعاً من مستوى 100 إلى مستوى 88,25 في شباط 2018، ولكنه ما لبث وارتفع مقابل هذه العملات في شهر نيسان من العام الحالي... فهل يكون هذا الارتفاع طارئاً أم مستداماً؟!
واحد من محفزات هذا (الانتعاش) كما يسميه المحللون الماليون، هو الزيادة المرتقبة في سعر الفائدة المحدد عبر الفيدرالي الأمريكي، والذي لن يكون الارتفاع الأخير في هذا العام. حيث إن سندات الخزانة الأمريكية ذات الـ 10 سنوات، قد تجاوزت عتبة هامة بلغت 3%، وذلك في 24- 4 من العام الحالي، وهي المرة الأولى منذ بداية عام 2014. ولكن المفاجئ أن هذه الزيادة في عائد سندات الخزانة لم تؤدِّ إلى اندفاعٍ للمستثمرين تجاه السندات السيادية الأمريكية، كما يقتضي منطق الأسواق الاعتيادي. بل أتى رد فعل المستثمرين بارداً إلى حد ما، وكأنهم لا يثقون بهذه الأداة المالية، التي تصنف الأعلى موثوقية عالمياً بحسب شركات التصنيف الدولية.
رفع الفائدة يدل على ضعف الدولار
المستثمرون لم يقرؤوا ارتفاع العائد على أنه مكسب، بل اعتبروه دلالة على تدهور في الوضع المالي لمصدرها، أي: الولايات المتحدة. فرفع الربحية يدل على الحاجة للتعويض عن المخاطر القادمة، المخاطر المرتبطة بسندات الخزانة الأمريكية.
لقد ولّت الأيام التي كان ينظر بها إلى سندات الخزينة، كأكثر الأوراق المالية موثوقية في العالم، أو كمعيارٍ للموثوقية، وضمانٍ للمخاطر. اليوم يسوّق هذا الوهم فقط في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها مالكو المال في الولايات المتحدة: حيث يوجد حظر، وإن كان غير رسمي، على مناقشة مسألة مخاطر الاستثمار في سندات الخزانة، والشكوك حول موثوقيتها في الولايات المتحدة، الأمر الذي يعتبر بمثابة خيانة الدولة!
ولكن منذ عام 2016، فإن دونالد ترامب وأثناء حملته الانتخابية، قد قال: إن أمريكا معرضة لخطر التخلف عن سداد ديونها السيادية، وتعهد بأنه إذا فاز، فسيبدأ بالمفاوضات مع حاملي سندات الخزينة الأمريكية، لإعادة هيكلة الديون... ولكن بعد أن تم (تبني ترامب) فإن هذا الموضوع لم يُطرح مجدداً.
في عام 2014 أيضاً خفضت وكالة التصنيف الدولية S&P للمرة الأولى في التاريخ، التصنيف الائتماني الأمريكي من الحد الأقصى AAA إلى الحد الأقل: +AA. وعلى إثر هذا خضعت الوكالة لعقوبات خطيرة من واشنطن وسرعان ما أعادت التقييم للأقصى.
أما اليوم، فإن وكالات التصنيف البديلة تعيد تقييم السندات، فخفضت وكالة التصنيف في جمهورية الصين الشعبية داغونغ في شهر 1-2018 التصنيف الائتماني الأمريكي من –A إلى +BBB. ومن المتوقع أن تخفضه إلى أقل من هذا.
الدَّين الأمريكي خطر على حائزيه
عدا عن التصنيف، فإن الأمر الخطير بالنسبة للولايات المتحدة، أن جزءاً كبيراً من ديونها السيادية في أيدي المستثمرين غير المقيمين. وفي نهاية عام 2017 بلغ المبلغ الإجمالي لهذه الديون 20.25 تريليون دولار. ومن ضمنها فإن 6,33 تريليون دولار خارج الولايات المتحدة، وهي نسبة 31,3%، وأكبر حامليها: الصين: 1184 مليار دولار، اليابان: 1060 مليار دولار.
ورغم أن الدولار لا يزال الزعيم بين العملات بلا منازع، إلّا أن حصته في إجمالي الاحتياطيات لجميع البلدان في العالم، وفقاً لصندوق النقد الدولي، آخذة في الانخفاض. ففي بداية 2018 كان 62,7%، مقارنة مع 65,3% في نهاية عام 2016، وقد بدأت بعض الدول بتخفيض احتياطياتها الموجودة على شكل أوراق الدَّين السيادي الأمريكية، فروسيا على سبيل المثال، قد خفضت خلال ثلاثة أشهر متتالية ما يحوزه بنكها المركزي من سندات الدين الأمريكية وبنسبة 11%، ولكنها بالمقابل كانت قد اشترت سندات الدين الأمريكي طوال العام الماضي، وما باعته في ثلاثة أشهر يمثل ثلاثة أرباع ما اشترته خلال عام مضى!
فالدَّين الأمريكي أصبح خطراً على حائزيه الأجانب، الذين يسعى بعضهم للبيع التدريجي لهذا الدين، ما يشكل خطراً كبيراً على الولايات المتحدة، وعلى الدولار.
(نمو من ورق)
إلى أي مدى يمكن أن يستمر اتجاه نمو الدولار الأمريكي الحاصل في شهر 4-2018؟ إن هذا الاتجاه غير مستقر أبداً، ويمكن أن يتوقف قريباً، حيث لا يوجد تعافٍ اقتصادي حقيقي في الولايات المتحدة، والمؤشرات المتفائلة التي تنشرها الوكالات الأمريكية هي مجرد وهم. وما يسمى (النمو الاقتصادي) يخفي نمو ديون الاقتصاد الأمريكي.
في 21-1-2017 أي: في يوم تنصيب ترامب، كان الدَّين السيادي للولايات المتحدة 19,96 تريليون دولار. وفي وقت إنهاء هذه المقالة (26-4-2018) فإن المؤشر الأمريكي لقياس الدَّين يظهر وصوله لمستوى: 21,15 تريليون دولار. وقد نمت الديون الأمريكية خلال عامين بمقدار 1,2 تريليون دولار.
لسنوات عديدة يقوم (السحرة) في وزارة التجارة، والمال، وفي الوكالات والمؤسسات الأمريكية الأخرى، بتحويل زيادة ديونهم إلى ما يسمى زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. في السبعينيات عندما كان الدولار لا يزال مرتبطاً بالمعيار الذهبي، وقبل التحول إلى الدولار الورقي، وبدء آلة طباعة الورقة الخضراء بالعمل بكل طاقتها. كان هنالك اقتصاديون صادقون في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أوضحوا أن نمو الدَّين هو عامل في نمو الناتج، وأن هذه الحيل ستنتهي يوماً ما نهاية سيئة.
وعندما انتقل الحكم الأمريكي من كارتر إلى ريغان كانت نسبة الديون السيادية إلى الناتج الأمريكي 33,3%، بينما عندما استلم ترامب أصبحت الديون 106% من الناتج، ووصلت حالياً إلى أكثر من 110%. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن وضع الولايات المتحدة المالي بحلول عام 2023 سيكون أسوأ من إيطالياً وموزامبيق، وستنمو نسبة الدين إلى الناتج إلى 116,9%.
لم يستطع ترامب أن يتعامل مع أولئك الذين يبنون هرم الديون في الولايات المتحدة، وأمريكا تستمر بزيادة ديونها. فالإصلاح الضريبي سيزيد حتماً من عجز الميزانية، وفي السنة المالية القادمة من المقدر أن يتجاوز العجز تريليون دولار، وسيستمر في الارتفاع.
فما الذي سيفعله وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين ليزيد من (جاذبية الاستثمار في الأدوات المالية السيادية)؟ وأي تعويض للمخاطر وأي عائد مرتفع ستقدمه الولايات المتحدة، مقابل احتمالات التخلف الأمريكي عن سداد الديون السيادية؟
رئيس البنك الفيدرالي الجديد سيساعد في رفع أسعار الفائدة، ورفع العوائد، ولكن ليس مضموناً بأن هذا سوف يتحول إلى حافز للمستثمرين، ليشتروا المزيد من سندات الخزينة، بل على العكس. الولايات المتحدة لم تعد بعيدة عن المستوى الذي تضطر فيه إلى دفع 20% من الميزانية الأمريكية لخدمة الدين، ولن تستطيع الخزانة الأمريكية أن تتحمل مثل هذه الأحمال. سيبدأ الإعلان عن التقصير، ومن ثم ستبدأ مفاوضات حول إعادة هيكلة الديون. سيبذل ترامب كل ما بوسعه ليجعل هذا الأمر لا يحدث معه، ولكن هل سينجح؟ إن هذا غير هام إن كان ترامب هو الرئيس الضحية أم غيره. ولكن الأهم عالمياً، هو: أن تسعى دول العالم، وقواه الصاعدة تحديداً إلى التخلص من احتياطاتها الموجودة كسندات خزانة أمريكية، ليس فقط لأن خطر العقوبات الأمريكية ممكن أن يهدد بتجميد هذه الأموال، بل لأن هذه السندات أصبحت من الأصول السامة التي يمكن أن تفشل الولايات المتحدة في سدادها!