من التراث «لا عودة عن المواجهة»
«اقترب الخطر»... ونحن أمام مواجهةٍ لا بد منها، فلم تعد تجدي لغة المفاوضات أو المساومة.
«اقترب الخطر»... ونحن أمام مواجهةٍ لا بد منها، فلم تعد تجدي لغة المفاوضات أو المساومة.
أمس كان يوم حرق الكتب. في البدء جاء الناهبون ، و من ثمّ مضرمو النيران. لقد كان الفصل الأخير من نهب بغداد. فقد تحولت دار الكتب والمحفوظات الوطنية إلى رمادٍ في درجة حرارة 3000 ، و هي كنز لا يُقدر بثمن للوثائق العثمانيّة التاريخيّة، بما فيها المحفوظات الملكية القديمة للعراق. وفيما بعد أُضرمت النيران في مكتبة القرآن لدى وزارة الأوقاف.
ـ عام «570م» قام أبرهة الأشرم بغزو الحجاز وأعلن هدف الحملة على الملأ «ليس لي بقتالكم حاجة.. جئتُ لأهدم هذا البيت ـ أي الكعبة».
يعتبر غيلان الدمشقي أحد المؤسسين الكبار لعلم الكلام، فهو واحدٌ من أعمدة فرقة القدريَّة التي خاض رجالها إحدى أكبر المعارك الفكرية والسياسية في التاريخ الإسلامي ضدّ الاستبداد السياسي والظلامية الفكرية التي اشتهر بها الحكم الأموي، في زمنٍ ارتبط فيه التنوير الإسلامي بالفعالية الثورية للجماهير المقموعة.
شهدت مدينة بغداد في عام 196هـ حدثاً لم يكن مألوفاً في التاريخ الإسلامي حتى ذلك العهد، فأثناء الصراع الدموي على الحكم بين الخليفة الأمين وأخيه المأمون، ومع اقتراب قوات المأمون من بغداد لتضع حداً حاسماً لذلك الصراع، بدأت كل المؤسسات السلطوية في المدينة بالانهيار، وأخذ قواد الأمين وأنصاره من الطبقة الأرستقراطية يفكرون بأفضل الطرق لحماية أنفسهم وممتلكاتهم وتسليم مدينتهم بأحسن الشروط لقوات المأمون، في ذلك الظرف العصيب ظهرت لأول مرة الفعالية المستقلة للطبقات الشعبية التي رفضت أن تسلم مدينتها بسهولة، واستطاعت أن تستغل الظروف لكي تفرض كلمتها على الجميع، فانتفضت في وجه قوات الأمين والمأمون معاً، بقيادة أبطال مجهولين لم تذكر لنا كتب التاريخ أسماءهم، ولم تروِ بطولاتهم بحماس شديد، ولكنها تركت لنا عنهم الاسم الشهير الذي ظل عالقاً بالذاكرة الشعبية لعدة قرون وهو: «شطَّار وعيارو بغداد».
يعتبر نصير الدين الطوسي من أهم العلماء في التاريخ الإسلامي، وخاصةً في مجال الرياضيات والفلك والفلسفة، فهو مؤسس علم المثلثات، ومن أهم من ساهموا في وضع أسس الهندسة اللاإقليدية (التي استندت إليها النظرية النسبية بعد قرون)، وقد خلده العلماء المعاصرون بإطلاق اسمه على إحدى بقاع سطح القمر اعترافا بإنجازاته في علم الفلك، كما يقال إنه أفضل من اشتغل بالفلسفة بعد ابن سينا.
لم يلقَ التحول الذي حاول المتصوفون أن يدخلوه إلى النظرة الإسلامية للذات أي إرتياح أو تشجيع من مختلف التيارات الفكرية والدينية الإسلامية، فمنذ اللحظة الأولى وجد المتصوفون أنفسهم في موضع الإدانة والتشهير، واضطروا للاصطدام مع مختلف الفرق الإسلامية على اختلاف اتجاهاتها. وإذا كان اصطدام المتصوفة مع السلفيين قد تميز بحدته وعنفه، فإن اصطدامهم مع التيارات العقلانية لم يكن يقل عنه صعوبةً ومرارة.
شهد موقف المعتزلة من السلطة تغيراً أساسياً في عهد الخليفة المأمون، فعلى الرغم من أن هذه الفرقة قد ولدت أساساً من رحم الصراع السياسي- الأيديولوجي ضد السلطات الحاكمة في العصر الأموي، وكان أعلامها الكبار في صفوف المعارضة على الدوام، إلا أنها تمكَّنت في العصر العباسي من التماهي التام مع مشروع المأمون السلطوي والمعرفي، ومن الصحيح القول بأن فرقة تنويرية كالمعتزلة، كان لابد لها أن تتقارب مع خليفة مثقف كالمأمون الذي أخذ على عاتقه قيادة واحد من أهم المشاريع التنويرية في التاريخ الإسلامي، إلا أن مشروع المأمون في الواقع لم يكن يحركه هاجس معرفي مجرد، بل كان له موضعه الأساسي ضمن الاستراتيجية السياسية والسلطوية التي رسمها منذ توليه الحكم، وهكذا فقد كان التحاق المعتزلة بالمأمون يشير إلى طموح سلطوي واضح لديهم.
سنحاول في هذه المرة أن نتتبع المصائر التي آل إليها الطموح الفلسفي التنويري في التراث الإسلامي، وإذا كنا قد أشرنا في المرة الماضية إلى مشروع إخوان الصفا الطَموح في نشر الوعي والمعرفة بين أوسع شريحة ممكنة من الناس، أملاً بالوصول إلى الخلاص الاجتماعي من الأوضاع المتدهورة والقاسية التي عرفها العالم الإسلامي في زمنهم، فإننا سنرى في هذه المرة العزلة والتراجع الكبيرين اللذين أصابا ذلك الطموح التنويري من خلال قراءتنا لتراث الفيلسوف الأندلسي الكبير ابن باجة، وخاصة عمله الأهم ذا العنوان الذي يحمل الكثير من دلالات الكآبة والشجن: «تدبير المتوحد».