صُدم عملاء الاحتلال الذين أسموا احتلال العراق في 9 نيسان 2003 تحريراً، فبعد أن وجدوا بهذه التسمية تبريراً لعجزهم في إسقاط النظام الفاشي، إذ انشغلوا على مدى عقود عن العمل على إسقاطه بالصراعات فيما بينهم، هذه الصراعات التي وصلت في بعض منعطفاتها إلى الصراع العسكري الدموي كما في هجوم الأول من أيار 1983على منطقة «بشت أشان» واقتتال الإخوة عام 1996.
وعندما انتفض الشعب العراقي في آذار 1991 ضد النظام الفاشي, وتمكنت الجماهير الشعبية الثائرة من السيطرة على 14 محافظة عراقية من أصل 18 وطهرتها من القيادات البعثية والأجهزة القمعية الدموية لم تقم المعارضة العراقية آنذاك إلا بعقد اجتماع في بيروت تمخض عن صراعات طويلة على محاصصة الحكم في العراق بعد انتصار الانتفاضة, في وقت كان يقوم فيه صدام بإعادة العمودية, ليشن بعدها هجوماً بربريا ً على الجماهير المنتفضة فأباد مئات الآلاف, وأستعاد سيطرته على البلاد.
لقد أُسقط بأيدي قادة المعارضة الانتهازية, بعد أن أعلنت الولايات المتحدة نفسها دولة محتلة وليست محررة للعراق وشعبه من الدكتاتورية كما زعمت في البداية بعد استصدارها للقرار 1483 في أيار 2003 من مجلس الأمن الدولي الذي صار ألعوبة بيدها. فأذعنوا على عادتهم للمحتل الأجنبي, وفبركوا تسمية جديدة ليوم إسقاط النظام الفاشي, فقد أطلقوا على 9 نيسان 2003 تسمية يوم التغيير, في محاولة يائسة منهم لتزويق تعاملهم مع المحتل الامبريالي لبلاد الرافدين العريقة في حضارتها الإنسانية, المفتخرة دوماً بتاريخها الوطني وبانتفاضات وثورات شعبها التي توجت بثورة 14 تموز 1958 المجيدة التي حررت العراق من الاستعمار البريطاني.
ومنذ فشل سياسة بوش العدوانية التي أطلق عليها وصف (سياسة القوة الخشنة ) واضطراره بسبب مقاومة الشعب العراقي المسلحة والسلمية للاحتلال والتي كبدته خسائر بشرية ومالية كبيرة, وبعد أن أيقن صقور البيت الأبيض استحالة بقائهم في العراق والانطلاق من قواعدهم فيه لتنفيذ مخططهم الإمبراطوري الشرير, اضطروا للانتقال إلى (سياسة القوة الناعمة) والتي تبلورت بإبرام الاتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية في أواخر عام 2008, اتفاقية بين قوي محتل مهزوم, وبين نظام ضعيف محتلة أرضه ومحاصر شعبياً برفض مطلق لكل أشكال الاحتلال, سواء ً كان احتلالاً عسكرياً أم احتلالاً تعاقدياً.
جاء انتخاب أوباما «الرافض للحرب على العراق أصلا ً» فرصة للأمريكان للخلاص من ورطة احتلال العراق وكان لإصرار الشعب العراقي على الرحيل الكامل لقوات الاحتلال, وضغط الرأي العام الأمريكي والعالمي, دوراً حاسماً في أجبار أوباما على اتخاذ قرار الانسحاب الكامل. وتاريخياً لم تنسحب الامبريالية الأمريكية من بلد احتلته، إلا بالقوة كما حصل في فيتنام . وهذا ما تم في العراق أيضاً, فقد كلّفت الحرب ألاف القتلى الأمريكان وعشرات الآلاف من الجرحى، ناهيكم عن الأرقام غير المعلنة من القتلى والجرحى من المرتزقة والشركات الأمنية التي تقدر بعشرات الآلاف, إضافة إلى الخسائر المالية الضخمة.
إن مناضلي التيار اليساري الوطني العراقي الذين ناضلوا ضد النظام البعثي الفاشي في العراق, والذين أعلنوا عبر تيارهم اليساري رفض الحرب على العراق وسيلة لإسقاط هذا النظام, وكافحوا على مدى سنوات الاحتلال ضد المحتل والقوى المرتبطة, يعاهدون الشعب العراقي على مواصلة الكفاح بكافة أشكاله حتى التحقق من الانسحاب الكامل واستعادة سيطرة الشعب على ثرواته الوطنية وإلغاء جميع الاتفاقيات المشبوهة مع الامبريالية الأمريكية، وفي المقدمة منها الاتفاقيات العسكرية, واستخدام كل السبل القانونية المشروعة في ملاحقة بوش وعصابته وتقديمهم إلى محكمة الجنايات الدولية على ما اقترفوه هم وخدمهم من جرائم بحق العراق والشعب العراقي. وسنواصل تصعيد الكفاح الجماهيري وصولاً إلى أعلى مراحله من أجل تصحيح الأوضاع في بلادنا وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحق وإعادة كتابة دستور يضمن ويكفل التداول السلمي للسلطة ويلغي كل أشكال المحاصصة الطائفية والعرقية التي روجت لحالة التداعي والانهيار الشامل لدولة المؤسسات المتمثل بغياب سلطة القانون وتفشي الفساد الإداري والمالي.
التيار اليساري الوطني العراقي
اللجنة القيادية
بغداد - 15/12/2011