ديمبسي في بغداد وأربيل: إعادة احتلال أم استعجال التقسيم؟

ديمبسي في بغداد وأربيل: إعادة احتلال أم استعجال التقسيم؟

أصدر مجلس الأمن الدولي عدداً من القرارات «لمحاربة الإرهاب»، كان أخطرها القرار رقم (1373) الصادر في 28/ أيلول/2001، الذي ألغى عملياً القانون الدولي، وحلَّ محلّه «قانون» الاستعمار القديم، الذي يجيز حق الغزو كلما أرتأت الدولة الاستعمارية أن مصالحها مهدّدة.

هذا ما اصطلح عليه راهناً بـ «الحرب الوقائية» واعتمد أساساً لقرارات لاحقة ألزمت الدول بـ«التعاون» في محاربة الإرهاب تحت قيادة أكبر دولة إرهابية في التاريخ الحديث, الولايات المتحدة الأمريكية التي شنت الحرب في أفغانستان، واحتلت العراق. وقامت، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بشن الحروب وتدبير الانقلابات.

جاء تشكيل التحالف «الدولي» الجديد، الذي ضم 40 دولة «لمحاربة داعش» التي تحتل ما يقارب 40% من الأراضي العراقية، وجزءاً من سورية, وسط تصريحات قادة أمريكا عن حرب طويلة قد تمتد لعقود, لتأتي زيارة الجنرال، مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة إلى العراق، وعقده سلسلة من الاجتماعات في بغداد وأربيل عنوانها العلني: «بحث سبل تدريب ودعم الجيش العراقي وبيشمركة الإقليم لتمكينها من القضاء على داعش بإسناد جوي من التحالف الدولي». أما هدفها الحقيقي إقامة قواعد عسكرية أمريكية موزعة وفق خطة تقسيم العراق إلى أقاليم طائفية متنازعة.

وهذا ما أثار تساؤلاً وقلقاُ مشروعاً: هل هو احتلال ثان للعراق بعد احتلال 9 نيسان 2003؟ ويزداد قلق المواطن العراقي، رغم تطمينات تصريحات المسؤولين في حكومة العبادي التي ترفض علناً أي تواجد عسكري أمريكي على الأرض!

فالمواطن العراقي ليس غير مقتنع بالأهداف المعلنة لزيارة ديمبسي وحسب، بل يسخر منها، فإذا كانت نتيجة عقد من التدريبات والتأهيل والتسليح وهدرعشرات المليارات من أموال الشعب، هي هروب حزمة فرق عسكرية كاملة، تعدادها 85 ألف عسكري، أمام مئات من «الدواعش» وسيطرتهم على سلاحها وعدتها ومعسكراتها ومطاراتها، فما الذي يمكن أن تقدمه زيارة ديمبسي بهذا الشأن؟ خصوصاً وأن إجراء العبادي في إقالة عشرات القادة العسكريين وإحالة بعضهم على التقاعد، والإتيان بقادة جدد يتمتعون بالمهنية العسكرية، كما هو معلن، قد لاقت هي الأخرى تحفظاً شعبياً لناحية مدى فعاليتها على أرض المعركة.

إن ما يسمى بـ«دولة الخلافة» الصهيونية ماهي إلا مرحلة جديدة للاستراتيجية الأمريكية التي اعتمدتها في العراق، منذ احتلال العراق في 9 نيسان 2003، حتى بدء مرحلة ما بعد 10 حزيران 2014.

الاستراتيجية التي نفذت بقرار حل الجيش العراقي، وعسكرة المجتمع مليشياوياً، وتشكيل مجلس الحكم على أساس المحاصصة الطائفية، بوجوه فاسدة مرتبطة خارجياً تفتقد إلى الوطنية العراقية، وتأجيج النزعات الطائفية داخل العراق ومن حوله، وفبركة دستور ملغوم، وإعادة العمل بقانون العشائر الاستعماري عملياً، لتغييب دور الدولة وإخضاع المجتمع للمناطقية والقبلية، ونهب النفط والغاز على يد الشركات الاحتكارية الأمريكية وشقيقاتها الغربية، فضلاً عن فبركة الآلاف من منظمات «المجتمع المدني» التخريبية ثقافياً وأخلاقياً الممولة وفق قانون بريمير, وإصدار عشرات الصحف الصفراء الموالية للسياسة الأمريكية والمروجة لأكذوبة «العراق يابان وألمانيا الشرق الأوسط»، وتدمير الزراعة والصناعة الوطنية وتسميم المياه وتحويل البلاد إلى مكب للبضاعة الرديئة والأغذية الفاسدة، ناهيكم عن تصفية دور القطاع الصحي في بلد يعاني من آثار الحروب والحصار على الناس.

في مقابل حقيقة أن مخطط تقسيم العراق هو هدف إمبريالي دخل حيز التنفيذ النهائي في مرحلة ما بعد 10 حزيران 2014، يسرِّع في إنجازه الكيان الصهيوني الغاصب، يتجلى تصميم الشعب العراقي على التصدي لهذا المخطط، وهو القادر حتماً على حسم معركة العراق التاريخية في نهاية المطاف.

منسق التيار اليساري الوطني العراقي