ضمير قناص..
«قُتل عمّي على يد قناص في الحرب العالمية الثانية. علّمونا أنّ القناصين جبناء. يطلقون النار عليك من الخلف. القناصون ليسوا أبطالاً. والغزاة أسوأ»
كانت هذه تغريدة للناشط والمخرج الأمريكي «مايكل مور»، أرسلها في خضم زوبعة التعليقات التي تلت اصدار الفيلم الجديد «القناص الأمريكي» في صالات العرض، انقسمت الآراء حول الفيلم قبل أن يراه المشاهد العادي، يحمل الفيلم الكثير من التناقضات ويفتح النقاش حول رؤية جديدة للحرب الأمريكية التي ما زالت ذكراها حديثة العهد في أذهان الأمريكيين، كما أنه يعاصر الأحداث العالمية الدامية التي تعصف بالعالم بعدما بدأت مفاعيل التدخلات الأمريكية بالتفاقم والانفجار.
يتحدث الفيلم عن حياة القناص الأمريكي «كريس كايل»، والذي أمضى أكثر من أربع دورات في صفوف البحرية الأمريكية، أردى أكثر من 250 عراقياً بدم بارد، واعترف في أكثر من مناسبة بأنه لا يقيم لحياة الضحايا أي وزن، وبالتالي سيحاول الفيلم تلميع صورته قدر الإمكان، لكنه لا يستطيع الهروب من المغالطات التاريخية والألفاظ العدائية ضد العرب والعراقيين واستخدام الكثير من الأنماط الاستهلاكية المسيئة بحقهم، ضمن سلسلة ممجوجة من المشاهد تهلل للمقاتل الأمريكي الصابر على المحن، يتعمد المخرج التركيز على أمور محددة: الحرب ، الزواج ، العائلة البعيدة ، لا شيء في حياته سوى الحب والحرب، الحياة والموت، مشاهد القتل متلاحقة وسريعة، تسقط الجثث العراقية على الأرض بفواصل متقاربة ترفع من إيقاع الأحداث حتى تتملكها، يرى المتابع معظم ما يراه من عدسة القناص ذاتها بمعزل عن أحداث الحرب الأخرى، العدسة التي ترصد عملية القتل بمقدار غير مسبوق من الواقعية فتحبس الأنفاس وتجفل النفوس.
القناص الأمريكي.. راعي البقر المغوار
ينتمي المخرج «كلينت ايستوود» إلى حقبة أفلام الكاوبوي الأمريكية في أيامها المجيدة، وبالتالي، يمكن إجراء الكثير من المقارنات التي تستطيع وضع فيلمه الجديد في الخانة نفسها دون تردد، «القناص الأمريكي» هو راعي البقر المغوار، الذي يردي أعداءه بكل دم بارد، تتكوم الجثث بالمئات دون أدنى اهتمام، يلاحق سكان المكان الأصليين ويحاول تعليمهم مفاهيم «الحضارة» الأمريكية بمسدس ضخم، جميع من حوله متوحشون برابرة يريدون قتله وسلخ جلده، يعاني البطل من عقد نفسية تؤرق أحلامه، لكنها لا تؤثر على عزيمته فينهض بكل نشاط في الصباح التالي، سجلت وكالة الاستخبارات الأمريكية أكثر من 250 جثة لـ«كريس كايل» بطل الفيلم، الفيلم الذي وصفته الشركة المنتجة «وورنر بروذرس» بـ«الظاهرة الثقافية» بعد أن تم ترشيحه لأكثر من ست جوائز أوسكار!
يبدو الفيلم من الناحية الفنية متميزاً للغاية، براعة المخرج «كلينت ايستوود» وسنينه الطويلة من العمل السينمائي ظهرت جلية في الاعتناء بأدق التفاصيل، تم اختيار المغرب كمسرح للأحداث العراقية المفترضة، وهي المقصد الجديد لمنتجي هوليود في الآونة الاخيرة عندما يتعلق الأمر باستحضار مشاهد الحروب الامريكية في الشرق الأوسط مهما كان تأثيرها سلبياً، مشاهد الحرب مقنعة والاشتباكات النارية منفذة بإتقان، كما أن أداء «برادلي كوبر» الجدي في دور الشخصية الرئيسية فاق التوقعات بعد أن اعتاد الجمهور على تصنيفه كشاب عابث تسند إليه الأدوار الخفيفة الجذابة، هناك تفصيل مثير للاهتمام، قناص «الأعداء المتوحشين» وغريم بطل الفيلم، سوري الجنسية، يبدو التوقيت مناسباً لهذا في هذه الأيام، وربما سنبدأ بالاعتياد على ذلك.
أمور خارج النقاش..
وجد الفيلم الجديد الكثير من المناصرين من المثقفين العرب والأجانب كأحد الأفلام «المناهضة للحرب»، تتحدث الكثير من المشاهد عن الآثار التدميرية لحرب العراق، لكنها تقصد بكل وضوح الضرر النفسي الذي لحق بالجنود الأمريكيين هناك، في رأيها الحرب الأمريكية سيئة ويجب إيقافها في كل مكان، والسبب واضح، لأنها تؤذي الأمريكيين وتكرس ضدهم مناخاً عالمياً من الحقد قد تصل سمومه للديار الآمنة وراء المحيطات، لا تعني لهم الجثث المتراكمة حول العالم أي شيء، هو فيلم مناهض للحرب بلا شك، لكن للأسباب الخاطئة تماماً، الأسباب التي تصب في تكريس العنجهية الأمريكية المعتادة، لا يعي الكثير من الناقدين في منطقتنا ذلك، بل يتجاهلونه عمداً في بعض الأحيان متذرعين بأن ما نراه يعد «خطوة إيجابية» في اعترافه بأن الحرب الامريكية فعل سيء ومهين للإنسانية، لكنه في الحقيقة «خطوة رجعية» كبيرة تمنح للقاتل سلسلة طويلة من التبريرات تهمل الكثير من الجوانب الوحشية للحرب وتخرج دماء الضحايا من النقاش منذ البداية.