أوراق أمريكية تتهاوى.. هل يستعيد وطنيو العراق عراقهم؟
تتسارع عملية رسم خارطة التحالفات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية على وقع النتائج الميدانية للحرب الدائرة في العراق وسورية، وتداعياتها على المنطقة والعالم. وحجر الزاوية فيها إعلان الرئيس بوتين بإن أمريكا وحلف الناتو يستهدفون وجود روسيا نفسها كدولة.
جاء، في هذا السياق، الإعلان عن الاتفاق الثلاثي الإيراني العراقي السوري على هامش المؤتمر الدولي المنعقد بطهران، تحت عنوان: «عالم خال من العنف والتطرف» لتقوية التعاون بهدف التصدي لتسلل الإرهابيين من الحدود. والذي ترافق مع تصريحٍ لوزير الخارجية العراقي من طهران يمثل تحولاً نوعياً في الموقف العراقي الرسمي، يصف فيه «اتفاق المصالح الاستراتيجي» بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية بوصمة العار.
وفي ما يشبه الرد السريع على الاتفاق الثلاثي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي كيري أن بعض الدول العربية ستتحالف مع «إسرائيل» للقضاء على داعش وحزب الله! وظهر وزير الدفاع الأمريكي المستقيل، تشاك هيغل في زيارة مفاجئة لبغداد، حيث أعرب رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية، عن استنكاره للزيارة، مشككاً بجدية أمريكا في محاربة التنظيمات الإرهابية بالعراق. وقال إن «أمريكا لم تحترم السيادة العراقية، ولم تقم بالتنسيق المسبق مع الحكومة العراقية بشأن زيارة وزير دفاعها تشاك هيغل، ولم تبين جدول أعمال هذه الزيارة»، مؤكداً أن «وراء هذه الزيارة أجندات خفية خاصة».
وشهد اصطفاف القوى محلياً انقسام شيوخ المنطقة الغربية والموصل، فقد رفض رئيس مجلس إنقاذ الأنبار، الشيخ حميد الهايس، الانتقادات الموجهة لزيارته المرتقبة، على رأس وفد عشائري، إلى إيران: «إن من ينتقد زيارة الوفد العشائري إلى إيران هم حلفاء داعش»، مستغرباً «الانتقادات التي توجه لكل من يزور إيران التي قدمت مساعدات كبيرة للشعب العراقي في حربه ضد داعش»، واعتبرها «طفيلية، في حين أنه لا يتم توجيه أي اتهامات لمن يزور تركيا الضالعة في الإرهاب».
فيما أعلن الشيخ علي السليمان من أربيل: «إن أولادنا يقاتلون في صفوف داعش خوفاً من قدوم المليشيات الشيعية، وعند إعلان الإقليم السني وإبعاد الخطر الإيراني، سنقاتل داعش ونقضي عليهم بسهولة لأنهم مجموعة حرامية ولصوص»، كما دعا السليمان القوات الأمريكية والحكومة العراقية إلى «منع التدخل الإيراني في الشؤون العراقية»، وقال: «على الحكومة والتحالف الدولي محاسبة الحكومة الإيرانية لاعتدائها على العراق وخرق سيادته وذلك بالقصف الجوي على المدن».
وتنقسم القيادة الكردية على نفسها إلى جبهتين، إحداهما منخرطة انخراطاً تاماً في مخطط تقسيم العراق، أما الثانية، فتعمل على حل القضية الكردية في إطار الدولة الديمقراطية العراقية. وبالرغم من الإعلان الرسمي لـ «التحالف الشيعي» عن موقفه الرافض لمخطط التقسيم، إلا أن الوقائع تشير إلى انقسام غير معلن، فجناح عمار الحكيم ينسق مع الجناح الكردي المؤيد للتقسيم، ناهيكم عن كونه هو أول من أطلق، مع هذا الجناح، فكرة الفيدرالية لحظة احتلال العراق في 9 نيسان 2003، ولا يزال يعمل على تقسيم العراق إلى فيدراليات مذهبية.
ولعل تصريحات رئيس الوزراء، حيدر العبادي، تمثل مفاجأة من العيار الثقيل قد تقلب ميزان قوى التحالفات الداخلية، إن عمل وفقها على الأرض، إذ أعلن حرباً على حيتان الفساد، حيث أنذر كل من يأخذ راتباً «من دون وجه حق، بالملاحقة إن لم يتوقف عن ذلك طوعاً.. لقد بدأنا بالحيتان الكبيرة»، متحدثاً عن عشرات المليارات المسروقة، مصمماً على الاستمرار في إجراءاته حتى وإن أدى ذلك إلى اغتياله! كما برأ نفسه من اتفاقاتٍ مع الأمريكان تمنح جنودهم وخبرائهم ومستشاريهم أية ضمانات!
إن الإعلان بمثابة اعتراف رسمي بالموقف الوطني التحرري الذي اتخذته القوى اليسارية والوطنية الديمقراطية المناهضة للعملية السياسية البريمرية الفاسدة، منذ اللحظة الأولى لاحتلال العراق، وتمسكت به وناضلت وفقه باعتباره الطريق المفضي إلى إعادة تاسيس الدولة الوطنية العراقية الديمقراطية التي تحقق العدالة الاجتماعية للشعب العراقي، وتعيد للعراق مكانته العربية والاقليمية والدولية.
إن وضع دولي جديد في طور الولادة، يُحجم من سيطرة القطب الأمريكي المتداعية وسينهيها، وميزان قوى محلي وإقليمي مؤاتٍ لتقدُّم الخيار الوطني التحرري العراقي، وعلى القوى التقدمية التقاط هذه اللحظة التاريخية والانطلاق في هجوم يستعيد الوطن ويحرر الشعب
منسق التيار اليساري الوطني العراقي