الأمريكي: نبقى بأفغانستان لنعزل المحيط!
قررت أمريكا الانسحاب من أفغانستان نهاية العام 2014، لكنها تفاوض الدولة الأفغانية على اتفاقية أمنية تبقي، من خلالها، 10 ألاف جندي، إضافة لثماني قواعد عسكرية. فما هي الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان ما بعد الانسحاب؟
عبر احتلال أفغانستان، ضرب الأمريكان عصفورين بحجرٍ واحد. من جانبٍ، أمَّنوا لأنفسهم قواعد عسكرية ملاصقة لروسيا، ونقاط توتر يمكن استخدامها لمنع التقاء مجموعة من الدول الصاعدة. ومن جانبٍ آخر، أمنوا السيطرة، مباشرة، على تجارة الأفيون الأفغاني.
ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
نستطيع أخذ النموذج العراقي للمقارنة، بهدف الوصول إلى فهمٍ أقرب لهذه الاستراتيجية. في العراق انسحب الأمريكان، مبقين قواتهم للسيطرة على العراق، من دون حل مشاكلها. فانتشر الإرهاب والعنف، وبدأ الإرهاب يتصدر إلى دول الجوار. أما في أفغانستان تبدو المهمة أكبر، فالوجود الأمريكي من خلال القواعد العسكرية سيتضمن عدة نقاط. الأولى: إبقاء السيطرة على الأرض الأفغانية، وجعل أفغانستان قاعدة أمريكية لزعزعة استقرار وسط آسيا، ومنع أية عملية تقارب بين دول المنطقة الصاعدة، كالهند وروسيا وباكستان وإيران، حيث تسعى هذه الدول لربط اقتصاداتها، وإنجاز مشاريع كبرى مشتركة، كخط الغاز الإيراني- الباكستاني. أما الثانية: استمرار الوضع الأفغاني غير المستقر، لكن، تحت السيطرة الأمريكية في حال حصلت تغيرات كبرى بالموازين الدولية، نتيجة للتراجع الأمريكي، وإمكانية وصول حكومة مناوئة للغرب وأمريكا إلى السلطة.
بعد أن باشرت أمريكا حواراً، برعاية قطرية- سعودية، مع طالبان، وفتح مقر لطالبان بالدوحة، غيرت أمريكا من رؤيتها، وأوقفت المباحثات مع طالبان. بذلك تضمن استمرار التوتر، وعدم حل قضية طالبان. ومع استمرار عدم الاستقرار، يمكن للمجموعات الإرهابية أن تتحرك في الإقليم وتنتشر في روسيا، وهذا ما حذَّر منه الرئيس الروسي، تعقيباً على رغبة أمريكا الانسحاب من طرف واحد، دون التباحث مع دول الجوار، حيث يخشى الرئيس الروسي من انتشار الإرهاب ليصل إلى روسيا، بعد تقريرٍ تحدث عن وجود 20 ألف مقاتل تدربوا بأفغانستان يقاتلون في سورية (وكالة أنباء موسكو).
يضاف إلى ذلك استمرار السيطرة الأمريكية على حقول الأفيون الأفغاني، الذي زاد إنتاجه في العهد الأمريكي 44 مرة، ويقدر الاتجار به بـ 140 مليار دولار، لا تريد أمريكا والقوى الفاشية التي تعتمد عليه، لتمويل إرهابها، أن تبتعد عنه.
الانتخابات الرئاسية ومصير الاتفاقية الأمنية
المرشحون الثلاثة الأوفر حظاً لتولي الرئاسة الأفغانية، بعد انتهاء ولاية كرازي، وبعد انتهاء التصويت في الانتخابات التي جرت في السادس من الشهر الحالي، هم «عبد الله عبد الله»، قائد المجاهدين سابقاً ضد السوفييت، ووزير خارجية سابق في عهد كرازاي، و«رسول أشرف زادة» المقرب من الرئيس الحالي كرازي. وأبدى المرشحون، من خلال حملاتهم الانتخابية، موافقة على الاتفاقية الأمنية.
إن بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، دون التشاور مع دول الجوار حول استقرار الوضع في البلد، هو ما يؤخر توقيعها. في انتظار حصول توافقات دولية جديدة تعكس الموازين الدولية الجديدة. وإذا وقعت هذه الاتفاقية من طرف واحد، دون التشاور، فإن المخطط الأمريكي لحرق المحيط الروسي يصبح مباشراً، في حال استمر العنف والإرهاب ينتجان، كما الأفيون في أفغانستان.