تطبيق اتفاق 10 آذار، لن يحصل دون اتفاق سوري عام وشامل!

تطبيق اتفاق 10 آذار، لن يحصل دون اتفاق سوري عام وشامل!

تشهد عمليات التفاوض حول تطبيق اتفاق 10 آذار بين السلطة في دمشق وبين قوات سورية الديمقراطية، عمليات شدّ وجذب متواصلة، يتخللها تحقيق بعض التقدم الجزئي في ملفات فرعية من حين إلى آخر، وتتخللها أيضاً توترات أمنية/عسكرية متنقلة، من الشيخ مقصود إلى دير حافر إلى سد تشرين وغيرها من المناطق، إضافة إلى دور كثيف للطرفين الأمريكي والتركي، ناهيك عن الأدوار المخفية لـ «الإسرائيلي» عبر الأطراف المختلفة، والتي تصب دائماً في عمليات التصعيد والتوتير ومحاولات التفجير.

من حيث المبدأ، فإن الواضح تماماً، هو أنه ليس في مصلحة قسد ولا السلطة في دمشق ولا تركيا أن تحصل معركة عسكرية كبرى بين الطرفين السوريين؛ فعدا عن أن معركة كبرى ستعني آلاف وعشرات آلاف الضحايا الجدد من السوريين، وكمّاً هائلاً من الخراب، فإن المؤكد بالنسبة للطرفين السوريين أن كليهما سيخرج خاسراً في حال حصول معركة من هذا النوع، عسكرياً وسياسياً ووطنياً؛ خاصة أن معركة كبرى، وبغض النظر عن التقييمات المختلفة للقوة العسكرية الفعلية لكل من الطرفين، لن تكون معركة بينهما في حقيقة الأمر، بل معركة إقليمية مع تدخلات دولية، ما يعني أن الحسابات التبسيطية لتوازن القوى العسكري، وأيّاً يكن شكلها، هي حسابات مضللة بشكل كبير، والغرض منها هو دفع الطرفين للفتك ببعضهما، وتالياً بسورية وبوحدتها؛ ينطبق هذا الأمر على من يصفون قسد بأنها أقوى عسكرياً وأكثر تنظيماً وتسليحاً من القوات الحكومية، والعكس بالعكس، على من يصفون القوات الحكومية بأنها أكثر عدداً وقوة وتنظيماً...

بالنسبة لتركيا، فإن حرباً كبيرة على حدودها، ستعني بشكل مباشر تخريب عملية السلام التاريخية التي انطلقت قبل عام مع مبادرة أوجلان، والتي سارت خطوات مهمة خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك عبر إعلان التحالف مؤخراً بين الثلاثي (العدالة والتنمية، والحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطية). وتخريب عملية السلام هذه لا يعني خسارة سياسية لهذا الطرف التركي أو ذاك فحسب، بل يعني وضع تركيا نفسها على حافة انفجار تفتيتي داخلي، يعمل عليه «الإسرائيلي» ومعه تيار داخل النخبة الأمريكية، بشكل علني تقريباً ومنذ سنوات عديدة؛ أي أن معركة كبرى في سورية يكون الكرد طرفاً أساسياً فيها، هي تهديد مباشر للأمن القومي التركي، ولوحدة تركيا نفسها كدولة ضمن الحسابات الإقليمية المعقدة القائمة.

هذا لا ينفي بطبيعة الحال، أن التوترات المتنقلة هنا وهناك على الأراضي السورية، يمكن فهمها بوصفها محاولات لتسيير عمليات التفاوض تحت الضغط العسكري والأمني، ولكن الأكيد أن هذه العمليات التفاوضية لا يمكن أن تصل إلى نهاياتها المرجوة بالاعتماد على آليات الضغط، بالضبط لأن هنالك من له مصلحة في دفع عمليات الضغط نحو التفجير الشامل، وعلى رأس من له مصلحة «الصهيوني» كما أسلفنا...

ما هو المخرج؟

التفاوض بين قسد والسلطات في دمشق، ليس أمراً جديداً؛ فهو أمر استمر لسنوات متواصلة خلال وجود سلطة الأسد. العيب الأساسي في تلك المفاوضات لم يكن فقط أن الأسد لم يقبل بتقديم أي تنازلات للشعب السوري في الشمال الشرقي أو للقوى الموجودة فيه، بل كان في أن المفاوضات أديرت بوصفها مفاوضات بين طرفين معزولين عن بقية قوى الشعب السوري؛ أي أنها أديرت بوصفها مفاوضات جغرافية بين منطقتين، منطقة يسيطر عليها الأسد، وأخرى تسيطر عليها قسد... هذه الطريقة في التفاوض، لا يمكنها أن تصل إلى نتيجة إيجابية بأي حال من الأحوال؛ فهي أقرب- بشكلها العملي وبغض النظر عن النوايا- إلى التفاوض بين سلطات أمر واقع على تقاسم النفوذ وإدارته، في حين إن المطلوب هو تفاوض وحوار على شكل الدولة السورية الجديد، وعلى طريقة إدارتها بحيث تشمل جميع مواطنيها، وتحقق حالة من الرضا الاجتماعي العام الضروري لحصول الاستقرار وللحفاظ على وحدة البلاد.

بهذا المعنى، ورغم أهمية عمليات الحوار والتفاوض الجارية حالياً بين السلطة في دمشق وبين قسد، فإن سقف ما يمكن أن تحققه بشكلها الحالي هو أمران:

الأول: هو الحفاظ على التهدئة وعدم الاشتباك، وليس بشكل كامل، بل بشكل نسبي. الثاني: هو حل بعض الملفات الجزئية المتعلقة بالطلاب، مثلاً أو بالتنقل أو بالنفط وإلخ، ولكن ليس حل صلب المشكلة وتحقيق الاندماج الحقيقي الكامل.

ما قلناه أعلاه لا يهدف إلى التقليل من أهمية عمليات الحوار والتفاوض الجارية، فهي ضرورية جداً، وربما يكفي المرء أنها تحقن دماً سورياً إضافياً حتى يؤيدها ويدعو لاستمرارها. ولكن من جهة أخرى، وبعد مرور 7 أشهر على توقيع الاتفاق، ينبغي تسليط الضوء بشكل واضح ولا لبس فيه، على أن هذا التفاوض محكوم موضوعياً بسقفٍ لا يمكنه أن يتجاوزه بشكله الحالي، ولذا لا يمكن التعويل عليه إلى ما لا نهاية، لأن المشكلات الموضوعية الكبرى التي يفترض أن يحلها، لن تُحل عبره، وبالتالي ستنفجر في وقت ما، وتعيدنا إلى وضع أسوأ من الوضع الحالي، وتصعب الخروج العام من الأزمة في البلاد.

وإذاً؟

ينبغي أن يتم تطوير عملية التفاوض الجارية، إلى عملية حوار شامل بين كل السوريين، عبر مؤتمر وطني عام؛ فالقضايا التي يجري نقاشها، سواء المتعلقة بالجيش السوري أو بطريقة إدارة الدولة، أو بالدستور، أو التعليم، أو غير ذلك، هي قضايا سورية عامة، من حق ومن واجب كل السوريين وقواهم السياسية والاجتماعية أن تشترك فيها اشتراكاً حقيقياً فاعلاً، وإلا فإنها لن تكون قابلة للحل وللتطبيق العملي اللاحق...

وبكلمة، فإن التفاوض الجاري أمر إيجابي لكنه محدود السقف، وقابل للنكوص، ما لم يجري تعزيزه عبر حوار سوري عام، أي عبر مؤتمر وطني عام وشامل تشترك فيه القوى السياسية والاجتماعية السورية، ويتحول إلى منصة يمتلك من خلالها السوريون، كل السوريين، حقهم في تقرير مصيرهم ومصير بلادهم بأنفسهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1248