كي تكون شجاعاً اليوم... عليك أن تكون «كيوت»!
انتشر خلال الأشهر القليلة الماضية «ترند» جديد، هو وسم كل من يعارض الاقتتال والإجرام والتحريض الطائفي بأنه «سني كيوت» (كلمة كيوت cute الإنكليزية تعني لطيف/ رقيق/ محبوب..). والمقصود بطبيعة الحال ليس المديح، بل الإهانة والتحقير ووسم الشخص بالجبن والخوف ونقص الرجولة وإلخ. وقد نجح هذا الوسم مؤقتاً، بالتحول إلى أداة للترهيب وللهجوم على أي شخص يعارض التحريض الطائفي والقومي، ويعارض تقسيم الشعب السوري إلى «أكثريات» و«أقليات» على أسس قومية ودينية وطائفية.
اللافت، هو أن قسماً كبيراً من الأشخاص الذين نشروا هذا «الترند» وروجوا له واستخدموه بشكل كثيف، هم أشخاص يعيشون خارج سورية، ولا ينوون العودة إليها، وغالباً هم غير مهتمين بدم أهلها الذي يراق يومياً، ولا بأوضاعهم الصعبة معيشياً وأمنياً وسياسياً.
في الإطار النفسي الاجتماعي، يمكن فهم استخدام هذا النوع من التنمر والإرهاب النفسي العام، بأنه عملٌ ممنهج يهدف إلى إجبار السوريين على الاصطفاف على أسس طائفية ودينية وقومية، ويهدف إلى ضرب الهوية الوطنية السورية وتهشيمها لمصلحة هويات جزئية، وبما يصب في سفك مزيد من الدماء وتقريب البلاد من حالة انفجار جديدة، وحتى من الوصول إلى التقسيم... ما يعني أن مروجي هذا الترند ومستخدميه بشكله السلبي، سواء عن قصد أو عن غير قصد، يعملون في خدمة الصهيوني في نهاية المطاف، وفي خدمة أهدافه التقسيمية، حتى وإن جاهروا بالعداء له، وبالدفاع عن «الوطن».
اللافت في هذه المسألة، هو أن عدداً مهماً من الشخصيات الاعتبارية السورية، من رجال دين إسلامي ومفكرين ونخب سياسية، إضافة إلى عدد كبير من الناس العاديين ذوي الحس السليم، استطاعوا إلى حد بعيد قلب هذا «الترند» رأساً على عقب؛ وذلك بأن قالوا صراحة وبشجاعة تستحق الاحترام ضمن أجواء التجييش والتحريض، ما معناه: «نعم أنا سني كيوت، إذا كان ذلك يعني أنني ضد سفك الدم السوري وأنني ضد الطائفية، وضد التحريض، وضد اقتتال أبناء البلد الواحد».
بعد ما جرى ويجري في السويداء خلال الشهرين الماضيين، يمكن أن نستشعر على صفحات التواصل الاجتماعي، ولادة نهج مشابه للتنمر ضد «السنة الكيوت»، وهو نهج التنمر ضد «الدروز الكيوت»؛ حيث تظهر حالة هجوم واسع على أي طرح وطني سوري يبحث عن حل سلمي يحقن دماء الناس ويحافظ على وحدة البلاد، ويمنعها من الانزلاق نحو المزيد والمزيد من الخراب والدمار. وكما هو الأمر مع الحالة المناظرة، تظهر أصوات أصيلة وشجاعة ترفض الانقسام الطائفي وترفض التقسيم وترفض «الإسرائيلي»، وتتحمل الهجوم والتخوين بصدر رحب يفهم آلام الناس وأوجاعها ومخاوفها ويشاركها إياها، ولكن لا يخضع للترهيب، ويبقي قلبه حاراً وعقله بارداً بالضبط من أجل الحفاظ على حياة الناس ومنع الانزلاق نحو خراب أوسع وأعمق.
تبادل وتكامل الأدوار بين الطائفيين الذين «ليسوا كيوت»، هو تكرار بائس لثنائية «شبيحة وذبيحة»، هي تكرار لمحاولات توزيع 90% من السوريين المفقرين والمنهوبين والمضطهدين والمنتمين إلى كل الأديان والطوائف والقوميات، على متاريس حرب أهلية مدمرة تسفك دماءهم وتزهق أرواحهم وأرزاقهم ومستقبلهم، ولا يربح منها إلا أمراء الحروب وأعداء البلاد.
حالة الترهيب العامة هذه لا يمكن أن تدوم طويلاً؛ فلنتذكر طريقة قسم السوريين خلال 14 عاماً الماضية... ألم يصل الأمر بالأغلبية الساحقة من الناس إلى قناعة بأن الحرب القائمة بين أطراف الصراع إنما تجري بدمهم وعلى حسابهم، وفوق ذلك بالضد من مصلحتهم؟
الآن أيضاً، تجري محاولة لتكرار النهج نفسه، ولكن الأكيد، هو أن التجربة السابقة قد علمت الناس بالدم، وأن الأصوات الوطنية «الكيوت»، الشجاعة والعاقلة، ورغم الضجيج الهائل، ستكون هي الأصوات الأعلى في نهاية المطاف؛ لأن «الكياتة» اليوم تعادل الوطنية، من حيث هي رفض للتحريض والاقتتال الطائفي، ورفض لتصنيف الناس كقطعان طائفية متحاربة لا تفكر ولا تعقل، وإنما فقط تتبع رعاتها... «الكياتة» اليوم، موقف شجاع وعاقل، بالضبط لأن حجم الإرهاب الإلكتروني والإعلامي هائل وضخم وغير مسبوق، ولذا فإن «الكياتة» اليوم تحتاج رجالاً ونساءً من نوع خاص، يمتلكون صبراً عظيماً وقلوباً رحيمة وعقولاً كبيرة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239