افتتاحية قاسيون 1227: بعد رفع العقوبات أي نموذج نريد؟

افتتاحية قاسيون 1227: بعد رفع العقوبات أي نموذج نريد؟

منذ فرار الأسد- قبل نحو ستة أشهر– قلنا عبر «قاسيون»، مراراً وتكراراً:

إن العقوبات الأمريكية لن يتم رفعها في أي وقت قريب، ودعونا للعمل من أجل إعادة إطلاق الاقتصاد السوري، سواء تم رفع العقوبات، أم لم يتم رفعها، بالتوازي مع الاستمرار بالمطالبة برفعها.

أثبتت الأيام الأخيرة، أن توقعنا كان خاطئاً وقاصراً، جزئياً على الأقل، والسبب في ذلك أمران أساسيان:

الأول: هو أننا استندنا إلى القياس على التجارب الأمريكية السابقة في العقوبات على عدد كبير من البلدان حول العالم، والتي لم يتم رفع أي منها بشكل كامل رغم زوال الذرائع التي فرضت من أجلها.

الثاني: والأهم، هو أنه قد تبين أن سرعة الانكفاء الأمريكي بفعل موازين القوى الدولية الجديدة، هي أكبر مما توقعنا.

رغم ذلك، فإن السياسات التي بنيناها تجاه العقوبات كانت وما تزال مبدئية وصحيحة، وفي مقدمتها:

أولاً: رفضنا العقوبات منذ لحظة تطبيقها، ورأينا أن المستهدف منها هو إضعاف الشعب السوري والدولة السورية أولاً وأخيراً، وطالبنا برفعها بشكل مستمر، قبل سقوط الأسد وبعد سقوطه.

ثانياً: انطلقنا دائماً من السيناريو الأسوأ، سيناريو استمرار العقوبات إلى أجل غير مسمى، وهو الانطلاق الأسلم والأكثر فائدة للبلاد وأهلها، في إطار بناء البدائل الضرورية.

ثالثاً: كما كان وضع العقوبات أداة أمريكية في التأثير على الوضع السوري سلباً، فإن رفعها لن يتم دفعة واحدة، وسيتم استخدامه لمحاولة تكريس نموذج محدد للدولة السورية الجديدة، يبقيها في فلك التبعية الاقتصادية والضعف المزمن، ناهيك عن محاولة فرض شروط سياسية لاستكمال رفع العقوبات بشكل فعلي.

 

إن القرار الأمريكي برفع العقوبات، وعلى عكس ما يحاول كثيرون تصويره، هو خطوة إضافية في عملية الانكفاء الشامل للأمريكي عن مجمل منطقتنا، وهو جزء من نقل مركز ثقل العمل الأمريكي من الاستناد إلى التوترات والحروب البينية في منطقتنا والعقوبات كأداة في تغذيتها، (وهي أمور لم يعد بإمكان الأمريكي الحفاظ عليها بعد جملة التغيرات الكبرى في الإقليم والعالم)، إلى الاستناد إلى علاقات اقتصادية وسياسية لعل وعسى تغطي على الانسحاب العسكري القادم، وتسمح بتحويل «إسرائيل» إلى مركز للشرق الأوسط.

السؤال الجوهري أمام السوريين اليوم، هو: أي نموذج يريدون لسورية الجديدة، بالمعنى الاقتصادي والسياسي، وهو سؤال يحتاج إلى حوار واسع بوابته هي المؤتمر الوطني العام. وإلى حين عقده، فإن المؤكد أن النموذج الغربي المتهالك الذي يُطرح علينا، هو وصفة فاشلة متكاملة الأركان، ستعيد إنتاج الأزمة بعد وقت غير طويل؛ فالنموذج الغربي المرسوم لدول الأطراف، هو نموذج يقوم على جهاز دولة ضعيف وبلا وظيفة اجتماعية، واقتصاد ضعيف الإنتاجية وقائم على الخدمات وعلى الأموال الساخنة التي تأتي وتذهب وتضارب بحثاً عن الربح السريع.

بالمقابل، فإن أمامنا فرصة حقيقية لبناء اقتصاد إنتاجي يعتمد على الموارد المحلية بالدرجة الأولى، ويدعم الصناعة والزراعة، ويستفيد من التوازن الدولي الجديد في الحصول على أفضل العروض الاستثمارية دون تبعية لأي من الأطراف الدولية، ودون السماح بتحويل «إسرائيل» إلى مركز اقتصادي للشرق الأوسط، ومع الاستفادة القصوى من النموذج الذي تقدمه الصين بشكل خاص، والذي يرتكز إلى الإنتاج الحقيقي، وإلى رفع مستوى الاستهلاك الداخلي، عبر درجة معقولة من العدالة في توزيع الثروات...

 

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1227
آخر تعديل على الأحد, 18 أيار 2025 19:03