افتتاحية قاسيون 1226: عصر «اتفاقات أبراهام» انتهى ولن يعود!

افتتاحية قاسيون 1226: عصر «اتفاقات أبراهام» انتهى ولن يعود!

تناولت تقارير إعلامية، غربية بمعظمها، خلال الأسبوع الماضي، أحاديث عن احتمالات تطبيع سوري مع «إسر&ائيل»؛ وذلك ضمن سياقات متعددة، بينها الحديث عن زيارة ترامب لدول الخليج العربي، وعن ربطٍ لرفع العقوبات الأمريكية على سورية بتطبيع مع الكيان.

إن مجرد الحديث في الموضوع، من شأنه إثارة حفيظة قسم كبير من السوريين، رغم كل الترويج الإعلامي المعاكس، خاصة وأن «إسرائيل» التي يجري الحديث عنها، وعن سلامٍ أو تطبيع معها، هي نفسها التي تقصف سورية بشكل شبه يومي، وتحتل أجزاءً من أراضيها، وتدعو لتقسيمها وتفتيتها وإنهائها كوحدة جغرافية سياسية، وتحرض أبناءها على بعضهم البعض باتجاه مقتلة طائفية لا تبقي ولا تذر. ولكن مع ذلك، فمن الضروري مناقشة الأمر بشكلٍ موضوعي، وانطلاقاً من المصالح الوطنية للشعب السوري.

وبالرغم من أنه لا توجد أي تأكيدات رسمية سورية في هذا الاتجاه، إلا أنه ينبغي أن نثبت أولاً وقبل كل شيء، أن اتخاذ قرار من مستوى خوض الحرب أو الاتجاه نحو السلم، وخاصة مع عدوٍ تاريخي ومحتل لجزء من الأرض السورية هو «إسرائيل»، هو صلاحية حصرية لسلطة منتخبة انتخاباً شعبياً حراً ونزيهاً. والسلطة القائمة لا تحقق هذا الشرط، ولذا ليس من صلاحياتها إبرام أي اتفاق بهذا المستوى وبهذا التأثير.

إضافة إلى هذا الأمر الأساسي، يمكن تثبيت النقاط التالية:

أولاً: حقبة «اتفاقات أبراهام» وخرافة «الناتو العربي»، قد ولّت غير مأسوفٍ عليها، وإلى غير رجعة. ومنطقة غرب آسيا/الشرق الأوسط التي نعيش فيها، تتم صياغتها بشكلٍ جديدٍ فعلاً، ولكن ليس وفقاً للوصفة «الإسرائيلية» التفتيتية، بل على العكس من ذلك تماماً؛ الوصفة التي يجري تطبيقها هي وصفة التقارب والتعاون والتوافق بين القوى الإقليمية الأساسية: السعودية، تركيا، إيران، مصر، وبدعمٍ حثيث ومتواصل من الصين وروسيا، وبما يقود نحو استقرار حقيقي في المنطقة، يسمح بازدهار مشروعي الحزام والطريق والمشروع الأوراسي، وازدهار دول المنطقة بأسرها معهما، وفي اتجاه تاريخي معاكس للاتجاه المفروض عليها منذ اتفاقات سايكس بيكو التي تم استكمالها بزرع الكيان في منطقتنا.

ثانياً: المبادرة التي أطلقها عملياً كل من عبد الله أوجلان ودولت بهتشلي وأردوغان، والخاصة بحل القضية الكردية في تركيا، والتي تسجل تقدماً مدروساً خلال الأسابيع والأيام الماضية، تشكل مؤشراً مهماً على اتجاه السير الفعلي المعاكس لوصفة سايكس بيكو/«إسرائيل»، التي كانت أساساً من أسس إبقاء منطقتنا مشتعلة وضعيفة ومسرحاً للدماء، وللتدخلات الخارجية الغربية طوال قرن من الزمن.

 

ثالثاً: الوقائع الملموسة بما يخص المفاوضات الأمريكية مع إيران، والهدنة مع الحوثيين، والضغط نحو إنهاء الحرب على غزة، وانفتاح الأمريكي على صفقات كبرى مع السعودية بما في ذلك النووي السلمي، ودون شرط التطبيع مع «الإسرائيلي»، وبدء الانسحاب الأمريكي من سورية، تشير جميعها إلى أن الإحداثيات الواقعية، معاكسة تماماً للاتجاه «الإسرائيلي» التخريبي، وتثبت أن وزن الكيان في مختلف معادلات المنطقة ماضٍ في التراجع والتقهقر، رغم كل العنجهية والعجرفة التي يحاول تصوير نفسه بها.

إن مصلحة سورية والسوريين، تتطلب القطع نهائياً مع أي أوهام بخصوص علاقات جيدة مع الغرب تؤدي لرفع العقوبات، وخاصة عبر «إسرائيل»، وتتطلب العمل على ملفين لا بديل عنهما: توحيد السوريين عبر مؤتمر وطني عام وحكومة وحدة وطنية، وتجاوز العقوبات عبر منظومة علاقات إقليمية ودولية غير خاضعة للابتزاز السياسي والوطني... وهما أمران قابلان للتحقيق، وليسا خياراً بين خيارات، بل اتجاهاً إجبارياً وحيداً في حال كنا نريد الحفاظ على سورية موحدة أرضاً وشعباً!  

 

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226
آخر تعديل على الأحد, 11 أيار 2025 21:21