مفتاحان لإنقاذ سورية...

مفتاحان لإنقاذ سورية...

يتفق معظم السوريين على أن البلاد تعيش أوضاعاً شديدة الصعوبة والخطورة؛ من الأوضاع الاقتصادية الكارثية، حيث البنية التحتية المدمرة، وغياب السوق الوطنية الواحدة بفعل استمرار تقطع أوصال البلاد، وفوق هذا وذاك استمرار العقوبات، وغياب البرامج الاقتصادية الواضحة. إلى الأوضاع الأمنية، حيث السلم الأهلي مهدد بشكل مستمر، وأحداث الفوضى الأمنية المتعاقبة والواسعة النطاق، ناهيك عن الاقتتال المتنقل ذي الطابع الطائفي، والمصحوب بمستويات غير مسبوقة من التحريض.

يضاف إلى ذلك، المشكلات المتعلقة بالحريات الفردية، وبمحاولات التعدي على ثقافة الناس وطريقة حياتهم، انطلاقاً من عقليات متطرفة ضيقة الأفق، الأمر الذي يزيد من هشاشة السلم الأهلي... ووصولاً إلى التدخلات الخارجية المختلفة، وفي مقدمتها التدخل التخريبي «الإسرائيلي» المتواصل، والذي يستخدم الاختراقات الموجودة والمتراكمة داخل الأطراف كلها.

إذا أردنا إجمال المسألة، يمكن القول: إن سورية تواجه تحديين متداخلين ومترابطين: تحدٍّ داخلي: له أبعاده الاقتصادية والسياسية والديمقراطية. وتحدٍّ خارجي: حاملاه الأساسيان هما العقوبات والعدوان «الإسرائيلي» بأشكاله المختلفة.

مفتاحا الحل

بالنسبة للتحديات الداخلية، فإن مفتاح الحل، وكلمة السر الأساسية هي «توحيد السوريين»، وتالياً، الاستقواء بهم لا عليهم، ولا على قسم منهم بقسم آخر... وهذا يتطلب التخلي سريعاً عن أوهام الحلول ذات الطابع الأمني، والاتجاه بشكل فوري نحو توسيع المشاركة السياسية الحقيقية، عبر مؤتمر وطني عام ينتج حكومة وحدة وطنية شاملة.

أما بالنسبة للتحديات الخارجية، فكلمة السر هي الاستفادة من التوازن الدولي الجديد؛ وللاستفادة منه ينبغي أولاً فهمه، وخلاصة فهمه تقول: الغرب يتراجع، وضمناً أمريكا و«إسرائيل»، واللهاث وراء التوجه غرباً اقتصادياً وسياسياً على أمل رفع العقوبات وتدفق أنهار الحليب والعسل الموعودة، هو لهاث الراكض نحو الهاوية... فلننظر إلى العالم من حولنا وإلى تغيراته، فلننظر حتى إلى السعودية وتركيا وإيران والدول الأفريقية، بل وحتى إلى الهند وباكستان... كل الدول حول العالم تبحث عن نقطة توازن جديدة لصياغة علاقاتها مع الأقطاب العالمية الكبرى، ونقطة التوازن هذه هي دائماً أقرب إلى الشرق منها إلى الغرب، لأن مركز الثقل الإنتاجي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري والسياسي بات في الشرق... ومن يحاول الارتكاز إلى مركز ثقل افتراضي في الغرب إنما يسير عكس عقارب التاريخ... ناهيك عن الدعوات إلى وضع كل البيض في السلة الغربية والأمريكية خاصة!

إن ما يتم ترويجه في الأيام الأخيرة عن احتمال رفع الأمريكيين لعقوباتهم، وربط ذلك بعلاقة ما مع الكيان، هو وصفة فشل متكاملة الأركان؛ فالأمريكي في طور الانكفاء على المستوى العالمي، وعن منطقتنا ضمناً. أما «الإسرائيلي» فيعيش مشكلة وجودية أحد مخارجها هو تقسيم سورية وتفتيتها، وإشعال الفتن والحروب ضمنها كصاعق تفجير لكل دول «الشرق الأوسط» وضمناً تركيا والسعودية ومصر... والسلام ليس جزءاً من مخططاته بأي حال من الأحوال.

من جهة ثانية، فإن من المحق القول: إن بلادنا اليوم ضعيفة، بل وهشة، وتحتاج إلى موازنة علاقاتها وسياساتها بحيث تَعبُر من عنق الزجاجة موحدة أرضاً وشعباً... ولكن ذلك لا يكون بالانبطاح للغرب وللأمريكان، لأن إغضاب الاستعمار دائماً أقل كلفة من إرضائه. ولأن أهمية سورية الجيوسياسية، رغم ضعفها الحالي، هي نقطة قوة يمكن استثمارها للحد الأقصى، عبر بناء علاقات متوازنة مع الدول المختلفة، وعبر الاستفادة من التناقضات الدولية وفهمها بشكل عميق... بكلام آخر، يمكننا الاستفادة بشكل كبير من التحولات الكبرى الجارية المعاكسة لاتجاه الشرق الأوسط «الإسرائيلي»، أي بعلاقات قوية مع تركيا والسعودية ومصر وحتى إيران، وفي الخلفية عبر علاقات قوية مع الصين وروسيا، لموازنة الكفة بما يخدم مصالح الشعب السوري...

وقبل هذا كله، ينبغي أن يتحرك عموم الشعب السوري كقوة منظمة باتجاه واحد، وإلا فإن التناقضات الدولية ستعبر عن نفسها باحتراب داخلي بين أبناء البلد الواحد... مرة أخرى، فالطريق نحو توحيد الشعب السوري واضح: مؤتمر وطني عام يقول فيه السوريون ما يريدون، ويتفقون على شكل دولتهم ومستقبلهم، ويصوغون دستورهم الجديد وينتجون حكومة وحدة وطنية تقود دفتهم نحو بر الأمان... وإلا فإننا نسير حتى الآن عكس عجلة التاريخ، وعكس مصالحنا الوطنية، وعلينا تعديل الاتجاه بأسرع وقت، وإلا فإن المخاطر ستتحول إلى وقائع غير قابلة للعكس!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1226