لماذا نحن ضد الفيدرالية (2/2)

لماذا نحن ضد الفيدرالية (2/2)

نشرت قاسيون في إصدارها الخاص الأسبوعي يوم الخميس الماضي 17 نيسان، مقالة بعنوان «لماذا نحن ضد الفيدرالية»، وهنا تتمة الجزء الثاني من المقالة...

في الجزء الأول، طرحنا فكرتين أساسيتين؛ الأولى: هي أن النموذج الفيدرالي في حكم الدول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمساحة تلك الدول، والمؤشر الأساسي على ذلك هو أن الغالبية العظمى من الدول التي تعتمد النظام الفيدرالي هي دول ذات مساحات كبيرة، تتجاوز بمعظمها 1 مليون كم مربع. الثانية: هي أن الغالبية العظمى من الدول التي تعتمد النظام الفيدرالي/ الاتحادي، هي دول نشأت عن توحيد مجموعة من الإمارات/الدوقيات/الممالك/ الإقطاعات...إلخ، كما هو الأمر في ألمانيا مثلاً، أو سويسرا أو روسيا أو الولايات المتحدة أو حتى إثيوبيا وغيرها الكثير من الأمثلة، وذلك على العكس ممن يطرح الفيدرالية في دول منطقتنا، التي لم تنشأ عن عملية توحيد، بل على العكس عن عملية تقسيم وتفتيت، كما هو الحال في العراق مثلاً، التي يشكل فيها النظام الفيدرالي نقطة ضعف دائمة تخفض وزن العراق الإجمالي، وتجعله عرضة لشتى أنواع التدخلات والتأثيرات الخارجية، ناهيك عن غياب حالة الاستقرار المستدامة؛ حيث يتفجر الوضع السياسي، وأحياناً الأمني بمعدل مرة على الأقل كل 4 سنوات.

بين اللامركزية والفيدرالية؟

ينبغي التفريق بين الحديث عن اللامركزية وعن الفيدرالية؛ الفيدرالية توازي الحديث عن حكم ذاتي يمتلك علاقاته الخارجية الخاصة، ونظامه الخاص، وقواته العسكرية الخاصة، ويرتبط بالمركز الفيدرالي ارتباطاً ضعيفاً. بالمقابل فإن الحديث عن اللامركزية يفترض وجود مركز يمسك بالأمور الأساسية من علاقات خارجية ودفاع وطباعة عملة، في حين تتوزع بقية الصلاحيات بشكل يسمح للأطراف بالتطور وبالتنمية بشكل حقيقي.

الجانب الأكثر خطورة في طرح الفيدرالية في سورية لا يقف عند حدود المساحة الصغيرة نسبياً للبلاد، أو أنها ناتجة عن عملية تقسيم لا عن عملية توحيد وتجميع، يتمثل بالأمور التالية:

أولاً: بين نتائج صغر المساحة، أنه لا توجد بقعة في سورية، إلا وهي «حدودية» مع دولة أو أكثر؛ فلننظر إلى المحافظات السورية واحدة واحدة، لا توجد أي منها لا تملك حدوداً مع دولة من دول الجوار. هذا يعني بالملموس ما رأيناه خلال 14 عاماً من حالة تقسيم الأمر الواقع؛ فقد تحول كل جزء من البلاد إلى تابع اقتصادي وأحياناً سياسي للجوار، وباتت علاقات أجزاء البلاد مع الدول المحيطة بسورية أكبر وأعمق من علاقاتها مع بقية أجزاء البلد، وعلى كل المناحي... ما يعني أن الفدرلة في سورية تعني بالجوهر الخطوة قبل الأخيرة نحو التهامها بشكل كامل من الدول المحيطة بها.

ثانياً: نتيجة الوضع الجيوسياسي الفريد لسورية، ودرجة أهميتها، فإن علاقات منفردة لأجزاء البلاد مع الدول المحيطة ودول العالم ككل، لن تقف عند حدود العلاقات الاقتصادية، ولكن البلاد ستكون محل تنافس واقتتال وصراع بين الدول الإقليمية، وبين الدول الكبرى بشكلٍ مستمر، وهذا سيتجلى عبر استخدام أجزاء سورية ضد بعضها البعض كوكلاء للخارج... أي أن حالة الاقتتال يمكنها أن تتجدد وتضع كل السوريين في كل مناطق وجودهم تحت مقصلة الدم والحرب الواسعة مجدداً.

ثالثاً: من يعتقد بأنه يمكن أن يحمي نفسه أو «منطقته» عبر النأي بها عن بقية المناطق السورية، بحجة التخوف من «نظام إسلامي» أو ما شابه من حجج، فهو ببساطة: واهم... لأن النأي بالنفس عن مركز البلاد يعني أمرين معاً: أ- من يحاول أن ينأى بنفسه عن مركز البلاد، سيقع بالضرورة تحت سطوة وتأثير وسيطرة أقرب دولة لمنطقته، إضافة إلى تأثيرات دول عديدة مؤثرة، ولن يكون له من الاستقلالية إلا قشورها. ب- من يحاول النأي بمنطقة من مناطق سورية عن بقية البلاد، يؤكد بشكلٍ علني أنه لا يؤمن بقدرة الشعب السوري، ولا يستقوي به وباجتماعه، وإنما يؤمن بقدرات الدول وتأثيرها وتحكمها بمصائر الشعوب، وهو حر يؤمن بما يريد، ولكن عليه أن يتوقف نهائياً عن الحديث باسم «الشعب» وحقوق الشعب وحريات الشعب، لأنه لا يؤمن بهذا الشعب، ولا يعتبره قادراً على تكريس النظام الذي يناسبه، وتغيير النظام الذي لا يناسبه، أياً يكن ذلك النظام.

رابعاً: تضاف مشكلة أخرى لهذا التعقيد في مسألة الفيدرالية، هي أن البعض يطرحها على أساس جغرافي/قومي، أو على أساس جغرافي/طائفي، ما يعني الذهاب بالمحصلة نحو التقسيم.. وربما هنالك من يرى التقسيم حلاً، ولكن من يرى ذلك يتمتع بقصر نظر استثنائي؛ لأنه لم يجرب أن يخطو خطوة واحدة إضافية في التفكير بعد افتراض التقسيم... إذا حدث أن تم تقسيم سورية على أسس قومية وطائفية، ما هي الخطوة التالية؟ هل سنقوم بترسيم الحدود بين المناطق السورية؟ هل ستقبل «الدويلات الناشئة» بالحدود المفترضة؟ كم حرباً ومجزرة ستنشأ على «التخوم» و«الحدود» الجديدة؟ كم دولة ستسلح وتدعم إبادة السوريين لبعضهم البعض تحت المسميات القومية والطائفية والدينية؟

خامساً: من يحاول النظر إلى الاتجاه الذي تسير فيه الدول التي تحتل مواقع متقدمة اليوم في العالم، والتي تصعد وتزدهر، يرى أن الاتجاه هو التجميع لا التفريق، والبحث عن تحالفات أكبر وأوسع لا العكس... بالنسبة لسورية، فإن المخرج الفعلي يتطلب بطبيعة الحال توزيعاً منطقياً للصلاحيات بين المركز والأطراف، ضمن صياغة جديدة للعلاقة بين المركزية واللامركزية، ولكنه يتطلب أيضاً انخراطاً في المنظومة الإقليمية الجديدة التي بدأت بالتشكل قبل بضع سنوات، والتي جاءت معاكسة للشرق الأوسط الجديد «الإسرائيلي» وخرافة «الناتو العربي»، أي التي تضم كلاً من تركيا والسعودية وإيران ومصر، وبالتعاون مع الصين وروسيا، وعلى أساس سيادة البلاد واستقلالها... إذا أردنا التفكير بالفيدرالية أو الكونفدرالية، فلتكن إذاً كونفدرالية لدول الشرق العظيم، مضادة للصهيوني، ومنفتحة على الدول الصاعدة التي باتت تسهم بالقسط الأساسي من الناتج العالمي...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1223