لماذا نحن ضد الفيدرالية في سورية؟

لماذا نحن ضد الفيدرالية في سورية؟

ظهرت مؤخراً بعض التصريحات من داخل البلاد ومن خارجها، تتحدث عن الفيدرالية بوصفها حلاً مناسباً للوضع السوري المعقد. إذا حاولنا الانطلاق من حسن النوايا، وتركنا جانباً التخوين والهجوم، فإن علينا أن نناقش الفكرة بشكل موضوعي للوصول إلى نتيجة واضحة.

يدافع أنصار فكرة الفيدرالية عن رأيهم باستحضار أمثلة من العالم حولها، ويتحدثون خاصة عن الولايات المتحدة أو روسيا، بوصفها دولاً فيدرالية. حين يقال لهم إن هذه دول مساحاتها كبيرة جداً، بل وعملاقة مقارنة بمساحة سورية (الولايات المتحدة أكثر من 9 مليون كم مربع، وروسيا أكثر من 17 مليون كم مربع، في حين سورية 185 ألف كم مربع)، يستحضرون المثال الفيدرالي السويسري (مساحة سويسرا 41 ألف كم مربع، أي أقل من ربع مساحة سورية) والمثال الألماني (مساحة ألمانيا 357 ألف كم مربع، أي تقريباً ضعف مساحة سورية). وبهذا المعنى، فإن اتساع أو ضيق مساحة بلد من البلدان لا يمكن أن يكون العامل الوحيد المحدد لصلاحية أو عدم صلاحية فكرة الفيدرالية، مع أنه عامل مهم جداً ولا يجوز التقليل من تأثيره؛ فرغم وجود المثال السويسري والألماني، فإنهما أقرب ما يكونان إلى استثناء من القاعدة بما يخص المساحة، لأن قراءة الأمثلة الأخرى (روسيا 17 مليون كم مربع، الولايات المتحدة 9.8 مليون، أستراليا 7.7 مليون، نيجيريا 0.9 مليون، البرازيل 8.5 مليون، الهند 3.3 مليون، كندا 9.9 مليون، الأرجنتين 2.7 مليون، إثيوبيا 1.1 مليون)، تثبت أن المساحة تلعب دوراً رئيسياً في المسألة).

هنالك عامل آخر أكثر أهمية، ويمكنه حتى أن يفسر الاستثناء الألماني والسويسري، وهو العامل المتعلق بكيفية تشكل الدول الفيدرالية بالمعنى التاريخي. الدول الفيدرالية في عالمنا اليوم، وبقسمها الأعظم، نشأت عن اتحادات بين دول أو ممالك وإمارات ودوقيات موجودة أصلاً؛ (ألمانيا تم توحيدها على مرحلتين، في الأولى كانت تتكون من أكثر من 300 مقاطعة لكل منها دوقها أو أميرها أو ملكها وحكومتها الخاصة، ووحدها نابليون في حوالي 30 مقاطعة، ثم في الثانية وحدها بسمارك ضمن دولة اتحادية يكون هو مستشارها)... الكلام نفسه ينطبق على سويسرا، وعلى دول فيدرالية أخرى كثيرة... أي أن تطبيق النموذج الاتحادي أو الفيدرالي، كان يجري على أساس الاتفاق بين عدة دول أو مقاطعات مستقلة أساساً تجمع نفسها ضمن دولة اتحادية أكبر وأقوى... أي أن الفيدرالية كانت أداة لتمديد المساحة والقوة والنفوذ، وليس لتقسيم دولة قائمة.

ربما يخطر في بال أحدهم أن يستحضر النموذج العراقي كمثال على الفيدرالية، وهو محق في هذا الاستحضار ولكنه بالتأكيد لن يخدم فكرة الفيدرالية بوصفها مثالاً جيداً؛ لأن من فرض الفدرلة في العراق هو المحتل الأمريكي، وأدى ذلك لإضعاف العراق ككل، وإضعاف كل جزء من أجزائه.
بالنسبة لسورية، فهي بالأساس ناتجة عن عملية تقسيم غير طبيعية، هي عملية تقسيم سايكس بيكو، والمطلوب ينبغي أن يكون معاكساً، أي توحيدها داخلياً واتحادها خارجياً على أساس التعاون والتفاهم مع دول الإقليم لتشكيل قوة صلبة قادرة على أن تكون مستقلة وغير تابعة للدول الخارجية... وللحديث بقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
000