افتتاحية قاسيون 1223: سورية... واتجاهات التطور العالمي
يتعزز بشكل متسارع، اتجاه التراجع والانكفاء لدى القوى الغربية على العموم، ولدى الولايات المتحدة على الخصوص، وعلى المستويات كافة؛ الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية، وهو الأمر الذي لطالما أكدته قاسيون، وبشكل استباقي، خلال خمسة وعشرين عاماً الماضية، وبات الآن واقعاً ملموساً تظهر آثاره بشكل متواتر، وما تزال الآثار الكبرى له على بعد خطوات قليلة بالمعنى التاريخي، والتي أثرت وستؤثر على وضعنا السوري بشكل كبير.
بين أهم مؤشرات التراجع الغربي/الأمريكي، ما يلي:
أولاً: رسوم ترامب الجمركية، والتخبط بين رفع وتراجع وإيقاف مؤقت، كشفت من جهة عن حقيقة الأوزان الاقتصادية الفعلية في عالمنا اليوم، والتي بات مركز الإنتاج الفعلي فيها، بما في ذلك التكنولوجي، بعيداً كل البعد عن الغرب. ومن جهة ثانية، فقد كشفت عن أن العولمة النيوليبرالية قد وصلت إلى نهايتها التاريخية، فاتحة المجال أمام إعادة تركيب شاملة للمنظومة الدولية، المالية والاقتصادية والسياسية.
ثانياً: الحرب الأوكرانية والمفاوضات حولها، تسير في اتجاه واحد ثابت هو تكريس انكسار مفصلي للناتو، وباتجاه وقف توسعه ودفعه نحو الانكفاء.
ثالثاً: انطلاق المفاوضات حول النووي الإيراني مجدداً، وتراجع احتمالات الحرب المباشرة، وتقييد غلاة الصهاينة وبينهم نتنياهو، يعني تكريس حقيقة تغير المنظومة الإقليمية في منطقتنا بما يتناسب مع توازن القوى الدولي الجديد، بما في ذلك عبر تعمق التفاهمات السعودية الإيرانية، برعاية صينية-روسية، وارتفاع مستوى التعاون بين تركيا والسعودية ومصر وإيران بما يخص التموضعات تجاه الصراع الدولي.
إلى جانب هذه المؤشرات، يمكن لحظ عدد هائل من المؤشرات الأخرى على مستويات متفرقة حول العالم، من أفريقيا إلى شرق آسيا والتعاون (الصيني، الياباني، الكوري الجنوبي) غير المسبوق بما يخص رسوم ترامب، إلى أمريكا اللاتينية وتطوراتها السياسية.
هذا كله، سينعكس بأشكال مباشرة وغير مباشرة على وضعنا السوري. وينبغي أن يتم وضعه كأساس في صياغة السياسات التي ينبغي اتباعها، وفي القلب منها:
أولاً: ألعاب صندوق النقد والبنك الدوليين، هي في الاتجاه المعاكس للتطور التاريخي، والتعويل عليهما وعلى رفع العقوبات يضع البلاد وأهلها في الخانة الخاطئة تاريخياً، ويزيد مخاطر التفجير الداخلي ويقلل فرص إعادة توحيد السوق السورية وإعادة إقلاع الاقتصاد.
ثانياً: الظروف الدولية والإقليمية باتت ناضجة لكف يد الصهيوني عن سورية، ولكن بالاستناد إلى الداخل السوري بالدرجة الأولى، عبر الاستقواء بالشعب السوري، وبالشعب السوري كله لا بقسم منه على قسم، وعبر الاستناد إلى التوازنات الدولية الجديدة.
ثالثاً: كيفية تنضيج العامل الذاتي نحو توحيد البلاد وحفظ سلمها الأهلي، فإن الطريق الوحيد كان وما يزال هو طريق المؤتمر الوطني العام، الذي يؤمن منصة لحوار حقيقي بين السوريين، يقررون من خلاله مصيرهم بأنفسهم، وتنتج عنه حكومة وحدة وطنية شاملة ووازنة وذات تمثيل واسع، تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية نحو بر الأمان، بعيداً عن الاستئثار وعن منطق الغلبة الذي لا يحقق إلّا شيئاً واحداً فقط هو فتح الباب للتدخلات الخارجية السلبية التي تريد دفع البلاد نحو مقتلة جديدة ونحو التقسيم والتفتيت النهائي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1223