ما الذي علينا استنتاجه من التوترات الأمنية الجارية؟

ما الذي علينا استنتاجه من التوترات الأمنية الجارية؟

يمكن أن نوصف حالة التوترات الأمنية التي جرت خلال الأسبوع الأخير في مناطق متعددة من البلاد، بأنها الموجة الثالثة من عمليات التوتير منذ سقوط الأسد.

الأولى: هي تلك التي تم ربطها باعتداءٍ على أحد المقامات الدينية.
الثانية: هي التي ترافقت مع شائعات كثيفة حول عودة ماهر الأسد.
الثالثة: هي التي بدأت قبل أسبوع تقريباً بحوادث قتل واعتداء واضطراب في مناطق متعددة من البلاد، وبشكلٍ متزامن تقريباً.

ما هي ميزة الموجة الحالية؟

كُنا قد نبهنا منذ حدوث الموجة الأولى، وفي مادة في قاسيون أواخر العام الماضي بأنها لن تكون الأخيرة، وستتلوها موجات أخرى. قلنا في حينه: «بعد أيام قليلة من فرار بشار الأسد، بدأت محاولاتٌ لتفجير السلم الأهلي في عدة أماكن في سورية، ساهم بها تجار الحرب السابقين بأشكالهم المختلفة، وبالتأكيد، هنالك أيادٍ خارجية على رأسها الصهيوني، تحاول دفع الأمور نحو الدم. تم حتى الآن تطويق التجربة الأولى للتفجير، والعامل الأول في منعه كان وعي السوريين الذي اكتسبوه، ودفعوا ثمنه عذابات كبرى ودماء غزيرة، وتوقهم إلى إنهاء الاقتتال. ولكن هذه التجارب ستتكرر...».

وأضافت المادة نفسها: «اليوم أيضاً، يمكن القول- وبعد أن تم تطويق التجربة الثانية لإشعال الفوضى، وإنْ بشكلٍ غير كامل- إنّ تجاربَ أخرى أكثر تعقيداً وخطراً، يجري الإعداد لها».

ميزة التجربتين الأولى والثانية لإشعال الفوضى، أنهما جاءتا محدودتين مكانياً وزمانياً، وتمثلتا بأحداثٍ قليلة التنظيم تصل إلى ذروتها سريعاً، ثم يجري إخمادها واحتواؤها. أما التجربة الثالثة التي ما نزال نعيش ضمنها حتى الآن، فتحمل نمطاً مختلفاً ينبغي فهمه بعمق، لتحديد آليات التعامل معه.

يمكن تلخيص ميزات هذه المرحلة بالتالي:

أولاً: أحداثٌ متعددةٌ مختلفة الأحجام، متزامنة ومتلاحقة، وفي عدة أماكن من البلاد.
ثانياً: تجري بشكلٍ يومي، ودون انقطاع، بحيث يبقى الوضع متوتراً بشكلٍ دائم، وتزداد حماوته يوماً وراء يوم.
ثالثاً: يجري استثمارٌ سياسي كثيفٌ ومباشر في الأحداث، وخاصة من قبل الصهيوني الذي يتاجر بالمسائل الطائفية بشكلٍ يومي، ومعه أيضاً دول غربية متعددة.
رابعاً: تظهر بشكلٍ أكبر بداءات تنظيم أعلى لعمليات الفوضى.
هذه المميزات مجتمعةً، ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، وعلى محمل التعامل الوطني المسؤول والعاقل، عبر إجراءات واضحة تستهدف الظروف التي تغذي الفوضى بالدرجة الأولى.
بكلامٍ آخر، فإن العقلية الأمنية في التعامل مع حالات التوتر، لن تقود إلا باتجاه تعظيم التوتر والفوضى. بالمقابل، ينبغي تسريع حل مشاكل الناس وطمأنتهم وسدّ الذرائع بأشكالها المختلفة.

يتطلب هذا الأمر جملة من الإجراءات المتوازية:

أولاً: قطع الرجاء سريعاً من محاولات استرضاء الغرب لرفع عقوباته، وحسم الخيارات بالمعنى الدولي باتجاه الدول التي يمكنها فعلاً ومن مصلحتها فعلاً، إعادة توحيد سورية وإعادة إقلاع اقتصادها، وعلى رأس هذه الدول الصين ومعها روسيا وتركيا ودول الخليج العربي، وبقية الدول الشرقية، وحل الإشكالات التي تعيق هذه العملية، وبما يسمح بحل مشكلات الكهرباء أولاً، كنقطة انطلاق ضرورية لأي اقتصاد.
ثانياً: توسيع المشاركة السياسية الداخلية الحقيقية لا الشكلية، والتخلي عن محاولات الاستئثار، ومد اليد باتجاه المجتمع السوري بقواه المختلفة، بما في ذلك المسارعة للوصول إلى تفاهم مع شمال شرق، ومع الجنوب السوري، ومع القوى السياسية المختلفة في البلاد، لتأمين سوقٍ وطنية واحدة، ولتأمين التراكم الأولي اللازم لإطلاق عجلة الإنتاج مجدداً... الأمر الذي يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية ذات صلاحيات حقيقية وقدرة تمثيل واسعة تشعر السوريين بأنها تمثلهم فعلاً.

حل المشكلات الأمنية والاقتصادية، كان وما يزال سياسياً بالدرجة الأولى، وينبغي التعامل معه على هذا الأساس، وإلا فإن المخاطر والتهديدات ستتعمق وتزداد يوماً وراء الآخر. وينبغي أن يتم الانتباه إلى أن الطريقة التي يعمل بها الغرب في مسألة العقوبات، عبر سياسة العصا والجزرة، لا تستهدف الحصول على تنازلات معينة من السلطات الحاكمة، بقدر ما تستهدف كسب وقتٍ كافٍ عبر إيهام السلطات بأن العقوبات يمكن أن يتم رفعها... وقتٍ كافٍ لتعميق الفوضى، وإيصال محاولات التفجير الجزئية إلى تفجير شامل!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1216
آخر تعديل على الإثنين, 03 آذار/مارس 2025 12:34