«الشرعية» بين مطالب الداخل ومطالب الخارج...

«الشرعية» بين مطالب الداخل ومطالب الخارج...

تشترك السلطات والأنظمة الحاكمة في عدد كبير من دول العالم النامية، بأنها تبحث عن «شرعيتها» وعن «الاعتراف بها»، بالدرجة الأولى خارج حدود بلدانها؛ أي بمحاولة تأمين رضا دول أخرى إقليمية وعظمى، بافتراض أن رضاها هو الوسيلة الأساسية لتثبيت السلطة؛ كذلك كان الأمر مع سلطة الأسد الذي حاول طوال سنوات ما قبل فراره الوصول إلى صفقة دولية ما تحافظ على كرسيه، وخاصة عبر التودد للغرب ومحاولة العمل ضمن مشروع «خطوة مقابل خطوة» الأمريكي/الأوروبي. وأما بالنسبة للداخل، أي للشعب السوري، فكان آخر همه أن يكون راضياً، أو أن يتمكن من تأمين لقمة عيشه أو كرامته.

اليوم، ورغم فرار الأسد وسلطته، فإن العقلية الدونية تجاه الخارج، وتجاه الغرب تحديداً، ما تزال معيقاً جدياً أمام حل المشكلات الكبرى التي تعاني منها البلاد وأهلها. يظهر هذا الأمر جلياً في وجود تيارات ضمن السلطة وضمن المجتمع، تلقي ببيضها كله، في سلة الوصول إلى تفاهمات مع الغرب من أجل رفع العقوبات، معتقدةً أن هذا هو السبيل الوحيد ليس للبقاء في السلطة فحسب، بل ولحل المشكلات الكبرى التي تعيشها البلاد، الاقتصادية منها والأمنية والسياسية.
تُعّبر هذه العقلية عن نفسها بجملة من التصرفات والقرارات التي ترجح كفة الخارج ورضاه على الداخل، ولعل بين أكثرها أهمية أمران:
أولاً: الاستمرار في إجراءات الفصل التعسفي واسع النطاق لموظفين وعمال من مختلف قطاعات الدولة، بما فيها قطاعات شديدة الحيوية وتعاني أصلاً من نقص فظيع في الكوادر، كالقطاع الطبي مثلاً، وليس أولها ولا آخرها قرار الإجازة القسرية بحق 587 كادراً طبياً وفنياً وإدارياً وعاملاً تابعاً لمديرية صحة دمشق، و450 كادراً طبياً وفنياً من مشفى دريكيش. محاولات تبرير عمليات الفصل هذه وغيرها بالحديث عن الفساد والترهل وإلى ما هنالك، هي محاولات بائسة وغير مقنعة لأحد؛ فكيف تفصل مئات الأطباء والممرضين من العمل في بلدٍ يعاني من نقصٍ بعشرات الألوف بالكوادر الطبية المختلفة؟! التفسير الوحيد المنطقي لهذه العمليات، هو أن هنالك ضمن السلطة من ينفذ «بأمانة» وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، التي تنص على تقليص حجم جهاز الدولة ودوره الاجتماعي، وتقليص الإنفاق الاجتماعي للحدود الدنيا ضمن ما يسمى «برنامج الإصلاح الهيكلي»، على أمل الحصول على رضا الغرب، سواء بالاعتراف، أو رفع العقوبات، وصولاً إلى وهم القروض التي يمكن أن يمنحها. والدارس لما يسمى برامج الإصلاح الهيكلي برعاية الصندوق والبنك الدوليين، في دول العالم النامية المختلفة، يعلم علم اليقين أنها لم تنتج إلا الخراب والضعف في الدول التي طبقت فيها...
ثانياً: التعامل السياسي غير الجاد مع الاستحقاقات الكبرى المنتصبة أمام البلاد، بما في ذلك موضوع المؤتمر الوطني العام المطلوب لاستكمال توحيد البلاد، وتوحيد سوقها الوطنية، وضمان السلم الأهلي، عبر «سلق» موضوع الحوار الوطني، وإنجازه بشكلٍ متعجلٍ ومبتسر وغير مكتمل الأركان، بتغييب قوىً أساسية عنه، ما يوحي بأن المطلوب هو الصورة الإعلامية للموضوع، وتصديرها الخارجي، وليس الرضا الفعلي للداخل السوري، عبر لَمّ شمله وحلحلة مشاكله الكبرى.
إن البحث عن الشرعية ينبغي أن يتم في الداخل أولاً وأخيراً، خاصة وأن الغرب لن يرضى عنا مهما فعلنا، والواضح، أنه لن يرفع العقوبات في أي وقت قريب، خاصة العقوبات الأمريكية الأشد والأقسى...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1216