وجه أمريكا الحقيقي

وجه أمريكا الحقيقي

استضافت باريس في 13 شباط الجاري، مؤتمراً بشأن سورية بحضور أكثر من عشرين دولة ومنظمة، إلا أن التحفظ الأمريكي على البيان الختامي ورفض التوقيع عليه أثار العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الأمريكي وخصوصاً لأن البيان يدعو إلى دعم الحكومة الحالية والاعتراف بها، ويؤكد على ضرورة تحقيق عملية انتقال سياسي تُستمَد من روح قرار مجلس الأمن 2254 بالإضافة إلى التأكيد على احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها، وأشار صراحة إلى اتفاق فك الاشتباك بين «إسرائيل» وسورية، والأهم هو الدعوة الصريحة للعمل على رفع العقوبات الاقتصادية التي تعيق مصالح الشعب السوري.

من هنا يبدو السؤال محقاً حول الدافع الأمريكي وراء رفض التوقيع؛ فبالرغم من أن باريس حاولت تبرير الموقف الأمريكي بالقول إن الرفض ارتبط بوقت البيان لا بمضمونه، ما معناه أن لدى واشنطن تحفظات على القيادة الجديدة ولا تملك ما يكفي من «التطمينات» بعد! ومن هنا نرى أنه من الضروري التذكير بالموقف الأمريكي سريعاً.

فمع أن أمريكا ادّعت أنها تناصر الشعب السوري في قضيته لنيل الحرية، إلا أن دورها منذ الـ 2011 كان مشبوهاً، لا بل مضرّاً لقضية الشعب السوري؛ وزيرة الخارجية الأمريكية في حينه، هيلاري كلينتون، قالت في تصريح شهير إن بلادها تدعم المعارضة السورية المسلّحة وكان لهذه الكلمات صدى كبير في وقتها، فما الذي دفع الإدارة الأمريكية لهذا الإعلان وقتها؟!

في الحقيقة كانت الولايات المتحدة تدعم بالفعل المعارضة المسلحة، لكن حجم الدعم الذي جرى تقديمه لم يكن يكفي لإسقاط النظام، بل العكس تماماً؛ إذْ أرادت واشنطن استدامة الاشتباك دون حسم المعركة، بحيث يستمر القتال لأطول فترة ممكنة أملاً في إغراق سورية في بركة دماء كبيرة، وهو ما جرى، والأهم أن تصريحات من هذا النوع وفي تلك اللحظة كانت تماماً ما يحتاجه النظام في سورية لتبرير انتهاج الحل الأمني الإجرامي؛ فكان الاعتراف الأمريكي مبرِّراً من وجهة نظر النظام للاستمرار في سياسته.

في مرحلة متأخرة، وتحديداً في 2020، قام المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري بالكشف عن حقيقة الدور الأمريكي، إذ قال صراحة «مهمتنا في سورية هي أن نحولها إلى مستنقع» أي أن واشنطن كشفت مجدداً أنها لا تأبه بأبناء سورية الذين بلعهم هذا المستنقع!

الولايات المتحدة لم ترد لسورية الخير، بل أدت دوراً أساسياً في تأجيج الصراع عسكرياً وسياسياً واقتصادياً عبر فرض عقوبات تضرر منها الشعب السوري بالدرجة الأولى، ولم يتضرر منها النظام بشكلٍ فعلي، بل وتمكّن مع الوقت من تحويلها إلى مصدر فسادٍ ونهبٍ إضافي له عبر تعميق الاحتكار والتحكم بكل داخل إلى البلاد وبكل خارج منها!

معلومات إضافية

العدد رقم:
-